5–مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِباً
–ليس عند هؤلاء المشركين علم: دليل على ما يدعونه من نسبة الولد إلى الله، كما لم يكن عند آبائهم الذين قلدوهم هذا العلم -عَظُمت هذه المقالة الشنيعة التي تخرج من أفواههم وهي " اتخاذ الولد" إنهم ما يقولون إلا قولًا كذبا، لا أساس له ولا صحة.
6–فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً
–ولما كان النبي ﷺ حريصا كل الحرص على هداية الخلق، قال تعالي لنبيه ﷺ :-
–فلعلك -أيها الرسول- باخع: مُهْلِك نفسك غما وحزنا على أثر تولِّي قومك وإعراضهم عنك .. فلا تفعل ذلك - فليس عليك هدايتهم - وإنما عليك البلاغ.
7–إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً
–يخبرنا تعالى: أنه جعل جميع ما على الأرض من حيوان ونبات وشجر وأنهار وغير ذلك، زينة لهذه الدار لكي تكون فتنة واختبارا للناس ليعلم أيُّهم أحسن عملا بطاعته .. وأيهم أسوأ عملا بعمله المعاصي وسيجزي كلا بما يستحق.
8–وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيداً جُرُزاً
–وإنَّا لجاعلون ما على هذه الأرض من تلك الزينة عند انقضاء الدنيا صعيدا فتاتا ترابًا جرزا: يابسا لا نبات فيه ولاحياة ، فليعتبر العباد بذلك.
–وهذه هي حقيقة الدنيا الفانية قد جلاها الله لنا كرأي العين ، وحذرنا من الاغترار بها ، ورغبنا في الدار الآخرة الدائمة التي يدوم نعيمها ، ويسعد مقيمها وذلك رحمة بنا.
9–أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَباً
–لا تظن -أيها الرسول- أن قصة أصحاب الكهف، ولوحهم الذي كُتِبت فيه أسماؤهم، هي من آياتنا العجيبة، وأنه لا نظير لها بل يوجد لله من الآيات العجيبة ما هو كثير وأعجب مثل خلق السماوات والأرض.
10–إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَداً
–ثم ذكر تعالي قصتهم مجملة، وفصلها بعد ذلك فقال تعالي:-
–واذكر -أيها الرسول- حين لجأ الشبَّان المؤمنون إلى الكهف؛ خشية فتنة قومهم لهم في دينهم وإرغامهم على عبادة الأصنام فقالوا لربهم: ربنا أعطنا من عندك رحمة:-
–بأن تغفر بها ذنوبنا ..
–وتثبتنا بها علي ديننا ..
–وتنجينا بها من أعدائنا ..
–واجعل لنا من أمر الهجرة إلي الكهف والابتعاد عن الكفار والإيمان هو اهتداء إلى طريق الحق والرشاد الذي يوصلنا إليك فنكون راشدين غير ضالين.
11–فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً
–فاستجاب ربهم لدعاءهم، وقيض لهم ما لم يكن في حسابهم، فقال تعالي:-
–فألقينا عليهم النوم العميق في الكهف سنين كثيرة، وهي ثلاث مائة سنة وتسع سنين، وكان في هذا النوم .. حفظا لقلوبهم من الاضطراب والخوف .. وحفظا لهم من قومهم، وليكون آية بينة علي عجائب وقدرة ربهم..
12–ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَداً
–ثم أيقظناهم من بعد نومهم الطويل .. لنعلم -علمَ ظهورٍ- أي الطائفتين المتنازعتين هو أعلم بمقدار مدتهم ولبثهم في الكهف.
–وفي العلم - بمقدار لبثهم - هو ضبط للحساب ومعرفة لكمال قدرة الله تعالى وحكمته ورحمته، فلو استمروا على نومهم، لم يحصل لنا الاطلاع على شيء من ذلك من قصتهم.
13–نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى
–هذا شروع أن الله يقص قصتهم على نبيه ﷺ بالحق والصدق، فقال تعالي:-
–نحن نطلعك -أيها الرسول- علي خبر أصحاب الكهف بالصدق الذي لا مرية فيه .. إن أصحاب الكهف هم شُبَّان آمنوا بربهم وامتثلوا لأمره، فزِدْناهم هدى من أمرهم وثباتًا على الحق.
14–وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهاً لَقَدْ قُلْنَا إِذاً شَطَطاً
–وقوَّينا قلوبهم بالإيمان والثبات عليه، وأيضا بالصبر على هجرهم للأوطان حتي قاموا معلنين للملك الكافر إيمانهم بالله تعالي وحده، بالرغم من تحذيره لهم من مغبة ترك عبادة الأصنام..
–وقالوا للملك الظالم: ربنا الذي نعبده هو : رب السموات والأرض نحن لن نعبد غيره من الآلهة وإذا قلنا قولا غير هذا .. لكُنَّا قد قلنا قولا جائرًا بعيدًا عن الحق، وهذا دليل على كمال معرفتهم بربهم، وزيادة الهدى من الله لهم.
15–هَؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً
–ولما التفت الفتية إلى ما كان عليه قومهم من اتخاذ الآلهة من دون الله، قال بعضهم لبعض:-
–هؤلاء قومنا اتخذوا لهم آلهة من دون الله فهلا أتَوْا على عبادتهم لها بدليل بين واضح فإنهم لا يستطيعون ذلك .. لقد فعلوا أشد أنواع الظلم فلا أحد -أشد ظلمًا- ممن اختلق على الله الكذب بنسبة الشريك إليه في عبادته.
♦♦♦
مِنْ فَوَائِدِ الآيَات
–الداعي إلى الله عليه التبليغ والسعي وليس الهداية، ولا يحزن ولا يأسف
–في العلم بمقدار مكث أصحاب الكهف، ضبط للحساب، ومعرفة لقدرة الله وحكمته ورحمته.
–في الآيات دليل صريح على الفرار بالدين وهجرة الأهل والوطن خوف من الفتنة.
–ضرورة الاهتمام بتربية الشباب؛ لأنهم أزكى قلوبًا، وأكثر حماسة، وعليهم تقوم الأمم