شائع

تفسير سورة الإسراء من الآيات (39 - 49) .. وفوائد الآيات

                                   التفسير

39–ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنْ الْحِكْمَةِ وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَدْحُوراً 

–إن ذلك مما أوحي إليك ربك ، أيها النبي ﷺ من الحكمة .. وهي الأمر بمحاسن الأعمال ، والنهي عن أراذل الأخلاق ، لتأمر بها أمتك..

–ثم ختمها تعالي بالنهي عن عبادة غيره كما افتتحها بذلك فقال تعالي:-

–ولا تتخذ -أيها الانسان- مع الله تعالي معبودًا آخر فتُلقي في جهنم يوم القيامة .. ملومًا لحقتك اللائمة واللعنة والذم من الله وملائكته والناس أجمعين، مطرودًا مبعدًا من كل خير.

40–أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنْ الْمَلائِكَةِ إِنَاثاً إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلاً عَظِيماً 

وهذا إنكار شديد على من زعم أن الله اتخذ من خلقه بنات فقال تعالي:-

–يا من تدعون أن الملائكة بنات الله، أفاختصّكم ربكم -أيها المشركون- بالذكور من الأولاد واتخذ لنفسه الملائكة بنات؟!  

–إنكم لتقولون على الله .. قولًا بالغ القبح ، حيث أنكم تنسبون لكم الذكور ، وتزعمون أن له البنات إمعانًا في الكفر به ، سبحان الله عما تقولون ..

41–وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ نُفُوراً 

–ولقد وضَّحْنا ونوَّعْنا في هذا القرآن من الأحكام والأمثال والمواعظ؛ ليتعظ الناس .. ويتدبروا ما ينفعهم فيأخذوه منه وما يضرهم فيدَعوه .. 

–ولكن الحال - اختلف مع الظالمين - وذلك لأن البيان والتوضيح لهم .. ما زادهم إلا تباعدًا عن الحق ، وغفلة عن النظر فيه ، والاعتبار به ..

42–قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذاً لابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً 

ومن أعظم الآيات والأدلة علي عدم وجود شركاء لله هذا الدليل العقلي، فقال تعالي:-

قل - أيها الرسول - لهؤلاء المشركين: لو كان مع الله آلهة أخري كما يقولون - افتراء وكذبًا - إذن لطلبت تلك الآلهة .. طريقًا إلي مغالبة الله - ذي العرش العظيم - علي ملكه ومنازعته فيه لأنهم - بحسب زعمهم - شركاؤه ..

43–سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوّاً كَبِيراً 

–تقدس سبحانه وعلت أوصافه علوًا كبيرًا عَمَّا يَقُولُونَ من الشرك به .. واتخاذ الأنداد معه ..

44–تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً 

تُسَبِّح لله سبحانه وتعالي السموات السبع والأرضون، ومَن فيهن مِن جميع المخلوقات، وكل شيء في هذا الوجود إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ، أي: يقول سبحان الله وبحمده ..

–ولكن لا تدركون - أيها الناس - تسبيحهم لأنه ليس بلغتكم. فمن صفاته تعالي أنه كان حليمًا بعباده لا يعاجل مَن عصاه بالعقوبة غفورًا لمن تاب وأناب إليه .. 

لقد تضاءلت لعظمته المخلوقات العظيمة وصغرت لدى كبريائه السماوات السبع ومن فيهن والأرضون السبع ومن فيهن كما قال تعالي: " وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ "

45–وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ حِجَاباً مَسْتُوراً 

وإذا قرأت القرآن -أيها الرسول- وسمعه هؤلاء المشركون: الذين لا يؤمنون بالآخرة جعلنا بينك وبينهم حجابًا ساترًا .. يحجب عقولهم عن فَهْمِ القرآن وما فيه من الزجر ، والوعظ؛ وذلك عقابًا لهم على كفرهم وإنكارهم له...

46–وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُوراً 

–وجعلنا أيضاً على قلوب المشركين أغطية؛ حتي لا يفهموا القرآن وجعلنا في آذانهم صمما حتى لا يسمعوه سماع انتفاع، وإذا ذكرت ربك في القرآن، داعيا لتوحيده ناهيا عن الشرك به، ولم تذكر آلهتهم المزعومة ..

–انقلبوا على أعقابهم .. من شدة بغضهم له ومحبتهم لما هم عليه من الباطل ، والكفر كما قال تعالى: "وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ".

47–نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَسْحُوراً 

نحن أعلم بالذي يستمعه رؤساء قريش عند قرائتك للقرآن إذ يستمعون إليك، ومقاصدهم سيئة، فإنما استماعهم ليس لأجل الاسترشاد وقَبول الحق، وإنما يريدون أن يعثروا على أقل شيء ليقدحوا به.

–ونعلم تَناجيهم حين يقولون: ما تتبعون إلا رجلا -مسحوراأصابه السحر فاختلط عقله إنه يهذي لا يدري ما يقول ..

48–انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً 

–تأمل - أيها الرسول - كيف ضربوا لك الأمثال ، بالمسحور والكاهن والشاعر والمجنون لتعجب مما وصفوك به من صفات مذمومة!! فانحرفوا عن الحق، وكان سببا لضلالهم.

49–وَقَالُوا أَئِذَا كُنَّا عِظَاماً وَرُفَاتاً أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً 

يخبر تعالى عن انكار المشركين للبعث وتكذيبهم به

وقال المشركون إنكارًا للبعث: أإذا متنا وصرنا عظامًا، وبليت أجسامنا: صارت فتاتا..هل نبعث بعثًا جديدًا؟ إن هذا لمستحيل.

فجهلوا أشد الجهل .. حيث قاسوا قدرة خالق السماوات والأرض بقدرتهم الضعيفة العاجزة.

–فالحمد لله لمن هداه الله " رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ "

♦♦♦

مِنْ فَوَائِدِ الآيَات

–الزعم بأن الملائكة بنات الله افتراء كبير، وقول عظيم الإثم عند الله.

–أكثر الناس لا تزيدهم آيات الله إلا نفورًا؛ لبغضهم للحق ومحبتهم للباطل.

–ما من مخلوق في السماوات والأرض إلا يسبح بحمد الله فينبغي للعبد ألا تسبقه المخلوقات بالتسبيح.

–من حلم الله على عباده أنه لا يعاجلهم بالعقوبة على غفلتهم وسوء صنيعهم، فرحمته سبقت غضبه.






حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-