34–وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ
–وأعطاكم الله تعالي- أيها الناس- من جميع ما طلبتموه، ومما لم تطلبوه، وإن تعدّوا نعم الله عليكم لا تقدروا على حصرها؛ لكثرتها وتنوعها، ومع ذلك إن الإنسان لظلوم لنفسه، مقصر في حقوق ربه كفَّار لنعم الله، لا يشكرها ولا يعترف بها إلا من هداه الله فشكر نعمه، وعرف حق ربه وقام به.
35–وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ
–واذكر - أيها الرسول - حين قال إبراهيم عليه السلام داعيًا ربه بعد أن أسكن ابنه إسماعيل وأمه هاجر بوادي مكة: رب، اجعل هذا البلد وهو -مكة- بلدًا آمنا، لا يسفك فيه دم، ولا يظلم فيه أحد، وأبعدني وأبعد ذريتي عن عبادة الأصنام.
–وقد استجاب الله دعاء خليله فجعله حرما آمنا لا يسفك فيه دم إنسان، ولا يظلم فيه أحد، ولا يصاد صيده ، ولا يختلى خلاه : لا يقطع شجرها ولا نباتها ولا يؤخذ منه شيء إلا إذا يبس..).
36–رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنْ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيم
–يا رب، إن الأصنام أضللن كثيرًا من الناس، حيث ظنوا أنها تشفع لهم، ففتنوا بها، وعبدوها من دونك، فمن اقتدى بي في التوحيد فهو على ديني وسُنَّتي، ومَن خالفني إلي الشرك بك، فإنك غفور لذنوب المذنبين -بفضلك- رحيم بهم، تعفو عمن تشاء منهم.
–وهذا قبل علمه أن الله تعالى لا يغفر الشرك كما قال تعالي : { إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَىٰ إِثْمًا عَظِيمًا }
37–رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنْ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنْ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ
–أتي الخليل بـ « هاجر » أم إسماعيل .. وبابنها إسماعيل وهو في الرضاع من الشام ووضعهما في مكة - بأمر ربه، ولحكمة يعلمها الله - فلما وضعهما دعا الخليل ربه بهذا الدعاء ، فقال -متضرعا متوكلا على ربه- :-
–ربنا إني أسكنت من ذريتي بوادٍ (وهو مكة) ليس فيه زرع ولا ماء بجوار بيتك المحرم, وإنني فعلت ذلك بأمرك; لكي يقيموا الصلاة فيه، يا رب اجعل قلوب بعض خلقك تميل وتحنُّ إليه .. وارزقهم في هذا المكان من أنواع الثمار; لكي يشكروا لك على عظيم نعمك.
–ولقد قال عليه السلام - من ذريتي- لا كل ذريتي لأن إسحاق عليه السلام في الشام وباقي بنيه من -يعقوب ويوسف والأسباط- عليهم السلام جميعا .. وإنما أسكن في مكة إسماعيل عليه السلام وذريته .. إلي محمد ﷺ ..
–فاستجاب الله دعاء خليله:-
–فأخرج تعالي من ذرية إسماعيل عليه السلام محمدا ﷺ الذي دعا ذريته إلى الدين الإسلامي، وصارت الصلاة علي المسلمين -كتابا موقوتا- وجعل تعالي التشهد فيها مقرونا بنبيه محمد وخليله إبراهيم -عليهما الصلاة والسلام-.
–وجعل الله حج هذا البيت فيه سرا عجيبا جاذبا للقلوب، كلما أكثر العبد التردد إليه ازداد شوقه وعظم ولعه إليه.
–وصار (مكة) يجبي إليها ثمرات كل شيء، فإنك ترى مكة المشرفة، في كل وقت والثمار فيها متوفرة ، والأرزاق تتوالى إليها من كل جانب.
38–رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ
–ربنا، أنت أعلم بنا منا، تعلم مانسره وما نعلنه فنسألك من فضلك أن تيسر لنا من الأمور التي نعلمها والتي لا نعلمها بما هو مقتضى علمك ورحمتك .. فإنه لا يخفى عليك شيء في الأرض ولا في السماء، فلا يخفى عليك احتياجنا وفقرنا إليك.
39–الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ
–ثم يُثْني إبراهيم عليه السلام على الله، فيقول:-
–الحمد والشكر لله الذي أجاب دعائي، فأعطاني على كبر سني إسماعيل من هاجر، وإسحاق من سارة، وجعلهم من الصالحين، إن ربي سميع الدعاء لمن دعاه، وقد دعوته ولم يخيِّب رجائي.
40–رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ
–ثم دعا الخليل لنفسه ولذريته .. فقال: يا رب، اجعلني مؤديًا للصلاة على أكمل وجه ، واجعل ذريتي ممن يؤديها كذلك ويحافظ عليها، (وأتى بمن لإعلام الله له أنه سيكون من ذريته كفارا ) اللهم، استجب دعائي واجعله مقبولًا عندك.
41–رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ
–قال إبراهيم عليه السلام -هذا الدعاء- قبل أن يعلم أن أباه عدو لله، فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه ..
–ثم دعا الخليل دعاء جامع لأمته، فقال :- ربنا، اغفر لي، واغفر لوالديَّ، واغفر للمؤمنين جميعًا يوم يقوم الناس للحساب والجزاء.
42–وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ
–هذا تسلية للنبي ﷺ ووعيد شديد للظالمين، وتسلية للمظلومين، يقول تعالى:
–ولا تحسبن -أيها الرسول- أن الله غافل عما يعمله الظالمون: من التكذيب بك، وبغيرك من الرسل، وإيذاء المؤمنين والصد عن سبيل الله وغير ذلك من المعاصي ..
–حيث يمهل الله الظالمين ويدرَّ عليهم الأرزاق، ويتركهم يتقلبون في البلاد آمنين، وهذا لا يدل على حسن حالهم بل الله يملي للظالم ويمهله ليزداد إثما، حتى إذا أخذه لم يفلته قال تعالي: (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ).
–فالله تعالي عالم بذلك كله، لا يخفى عليه منه شيء، إنما يؤخر عذابهم إلى - يوم القيامة - ذلك اليوم الذي تحدق فيه الأبصار .. فلا تغمض ولا تطرف من شدة ما ترى من الأهوال والشدائد
♦♦♦
مِنْ فَوَائِدِ الآيَات
–بيان مكانة مكة التي دعا لها نبي الله إبراهيم عليه السلام.
–مهما ارتفع شأن الإنسان في الطاعة والعبودية عليه الحذر من الشرك الخفي كالكبر والعجب والرياء
–دعاء إبراهيم عليه السلام يدل على أن العبد مهما ارتفع شأنه يظل مفتقرًا محتاجًا إلي الله
–استجاب الله أدعية إبراهيم عليه السلام ما عدا دعوته لأبيه ، لأنه كافر.
–جعل تعالي التشهد في الصلاة مقرونا بنبيه محمد وخليله إبراهيم -عليهما السلام.
–من أساليب التربية: الدعاء للأبناء بالصلاح والتوفيق في المعتقد وإقامة الدين.