29–الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ
–يخبرنا تعالي بالجزاء الحسن الذي أعده لعباده المؤمنين في الدار الآخرة
–إن الذين آمنوا بقلوبهم بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، وقد صدقوا هذا الإيمان بالجوارح بالأعمال الصالحة أولئك لهم عيش طيب في الآخرة ، ولهم العاقبة الحسنة وهي الجنة.
–ومن جملة ذلك - شجرة طوبى - التي في الجنة التي يسير الراكب في الجنة في ظلها مائة عام ما يقطعها، كما وردت بها الأحاديث الصحيحة.
30–كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهَا أُمَمٌ لِتَتْلُوَ عَلَيْهِمْ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ
–كما أرسلنا المرسلين -أيها الرسول- من قبلك، كذلك أرسلناك في أمة قد مضت مِن قبلها أمم المرسلين .. لتتلو على هذه الأمة القرآن المنزل عليك فإن -القرآن- هو آية وكاف في الدلالة على صدقك .. فإنما أنت لست ببدع من الرسل حتى يستنكروا رسالتك ..
–لكن حال قومك - أيها الرسول - أنهم يجحدون هذه الآية وهي - القرآن - لأنهم يكفرون بالرحمن حيث يشركون معه غيره ، قل لهم -: إن الرحمن الذي تشركون به غيره .. هو ربي الذي لا معبود بحق سواه، عليه اعتمدت ووثقت, وإليه مرجعي وإنابتي.
31–وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الأَمْرُ جَمِيعاً أَفَلَمْ يَيْئَسْ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً وَلا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ
–ونزلت الآية .. لما قال المشركون للنبي ﷺ إن كنت نبياً وهذا القرآن معجزة، فسيِّر عنا جبال مكة ، واجعل لنا فيها أنهاراً ، وعيوناً ، لنغرس ونزرع وابعث لنا آباءنا الموتى يكلموننا أنك أنت نبي ..
–قل لهم - أيها الرسول - مجيبا إياهم :-
–إنما القرآن أنزل لهداية البشر ، وليس لإحداث المعجزات في الكون، يقرأ، فتزول به الجبال عن أماكنها، أو تتشقق به الأرض أنهارًا، أو يحيا به الموتى وتُكَلَّم - كما طلبوا منك - فإن القرآن له عظيم التأثير والهداية للبشر ، قال تعالي ﴿ ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ﴾وهو المتصف بذلك دون غيره من الكتب الإلهية، فاتبعوه عباد الله وآمنوا به، واعملوا بما فيه ..
–بل لله وحده الأمر كله في إنزال المعجزات أفلم يعلم المؤمنون أن الله تعالى لو يشاء لآمن أهل الأرض كلهم من غير معجزة ؟!
–ولا يزال الذين كفروا تتنزل بهم قارعة: مصائب تصيبهم بسبب بما عملوا من الكفر والمعاصي بأنواع من البلاء من القتل ، والأسر ، والحرب ، والجدب ، أو تنزل يا محمد ﷺ بجيشك قريباً من دارهم ب( مكة ) حتى يأتي وعد الله بالنصر عليهم وقد حل بالحديبية حتى أتى فتح مكة .. إن الله لا يخلف الميعاد.
32–وَلَقَدْ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ
–يقول تبارك وتعالى مثبتا لرسوله ﷺ ومسليا له :-
–وإذا كان قومك - أيها الرسول - قد سخروا من دعوتك فأنت لست أول رسول كذبه قومه فلقد سَخِرَتْ أمم من قبلك برسلهم، -فلا تحزن أيها النبي- فقد أمهلت الذين كفروا برسلهم - مدة- حتى ظنوا أني غير مهلكهم ثم أخذتهم بعد ذلك الإمهال بصنوف من العذاب، فكيف رأيت عقابي لهم؟ لقد كان عقابًا شديدًا.
–فلا يغتر هؤلاء الذين كذبوك - أيها الرسول - واستهزؤوا بك - بإمهالنا لهم - فإن لهم أسوة فيمن كان قبلهم من الأمم، فليحذروا أن يفعلوا مثل صنيعهم، فيحيق بهم ما أحاط بهم
33–أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي الأَرْضِ أَمْ بِظَاهِرٍ مِنْ الْقَوْلِ بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ وَصُدُّوا عَنْ السَّبِيلِ وَمَنْ يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ
–يقول تعالى: أَفَمَنْ هو قائم بحفظ أرزاق جميع الخلق رقيب على كل نفس بما كسبت من عمل من خير أو شر فيجازيها على أعمالها .. أولى أن يُعْبد، أم هذه الأصنام العاجزة التي لا حق لها أن تعبد؟ لقد جعلها الكفار شركاء لله ظلمًا وزورًا
-قل -أيها الرسول- للكفار الذين يعبدون مع الله آلهة غيره ملزمًا لهم بالحجة :-
–اذكروا أيها الكافرون أسماء وصفات الشركاء الذين عبدتموهم مع الله إن كنتم صادقين في دعواكم ؟! ولن يجدوا من صفاتهم ما يجعلهم أهلا للعبادة ..
–أم تخبرون الله -أيها الكافرون- أن له شركاء في أرضه وهو لا يعلمهم ؟! كيف وهو عالم الغيب والشهادة ، وخالق كل شيء ومدبره .. فكيف لا يعلم أن له شريكا !
–أم تسمونهم شركاء بظاهر من قولكم ؟! فإن غاية ما يمكن من دعواكم الشريك لله تعالى أن يكون بظاهر أقوالكم، لأن هذا لبس له حقيقة ..
–بل إن الشيطان .. حسَّن للكفار قولهم الباطل وصدَّهم عن سبيل الله تعالى .. ومَن لم يوفِّقه الله لهدايته .. فليس له أحد يهديه ويوفقه إلى الحق والرشاد ..
34–لَهُمْ عَذَابٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَقُّ وَمَا لَهُمْ مِنْ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ
–إن لهؤلاء الكفار الصادين عن سبيل الله عذاب شاق في الحياة الدنيا .. بالذي ينالهم من القتل والأسر على أيدي المؤمنين ، وإن لَعذابهم في الآخرة أثقل وأشد؛ لما فيه من الشدة والدوام الذي لا ينقطع، وليس لهم مانع يحميهم من عذاب الله يوم القيامة.
♦♦♦
مِنْ فَوَائِدِ الآيَات
–أنزلت الكتب السماوية لعبادة الله وحده لا شريك له.
–جميع الرسل جاءت للهداية وليس لاستنزال الآيات، فهذا أمر الله الذي يشاءه ويقدره .
–تسلية الله للنبي ﷺ وأحاطته علمًا أن ما يفعله المشركون قد واجهه أنبياء سابقون.
–يصل الشيطان في إضلال بعض العباد إلى أن يزين لهم ما يعملونه من المعاصي والإفساد.