شائع

تفسير سورة يونس صفحة 212 من الآيات ( 26 - 33)

التفسير

26–لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ

–يبين الله تعالي لنا جزاء المحسنين من عباده وما أعد لهم من النعيم في الآخرة

لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ : إن للمؤمنين الذين أحسنوا عبادة الله فأطاعوه فيما أمرهم بهم من الطاعات وتركوا ما نهاهم عنه .. أولئك لهم الجنةُ وزيادة عليها وهي النظر إلى وجه الله تعالى في الجنة والفوز برضاه والبهجة بقربه ..

–وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ : ولا يغشى وجوههم غبار ولا ذلة،كما يلحق أهل النار، - كما قال الله عنهم - " تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ " إن هؤلاء المتصفون بهذه الصفات أصحاب الجنة هم ماكثون فيها أبدًا ..

27–وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنْ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنْ اللَّيْلِ مُظْلِماً أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ 

–يبين لنا تعالي جزاء الذين عملوا السيئات في الدنيا وما أعد لهم من عقاب في الآخرة

–لما ذكر أصحاب الجنة ذكر أصحاب النار، وذكر أن أعمالهم التي فعلوها في الدنيا هي الأعمال السيئة المسخطة لله- فجزاؤهم سيئة - وهذا من عدل الله بعباده - أن السيئة بمثلها - وأن الحسنة تضاعف ..

وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنْ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ  والذين عملوا السيئات من الآثام والمعاصي ، لهم جزاء السيئة التي عملوها .. بمثلها من عقاب الله في الآخرة، وتغشى وجوههم ذلة وهوان وخزي ليس لهم مانع يمنعهم من عذاب الله إذا أنزله عليهم

كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنْ اللَّيْلِ مُظْلِماً أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ : كأنما قد ألبست وجوههم سوادًا من الليل المظلم، من كثرة ما يغشاها من دخان النار وسوادها .. كما قال الله عنهم" وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ "  أولئك المتصفون بتلك الصفات أصحاب النار هم ماكثون فيها أبدًا ..

28–وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَاؤُهُمْ مَا كُنْتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ 

وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ  :  ويوم القيامة نحشر جميع الخلائق، ثم نقول للذين أشركوا بالله في الدنيا : الزموا - أيها المشركون - مكانكم أنتم ومعبوداتكم التي كنتم تعبدونها من دون الله ليقع التحاكم والفصل بينكم وبينهم. 

–فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَاؤُهُمْ مَا كُنْتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ : ولقد فرقنا بين المعبودين والعابدين، وحصلت بينهم العداوة الشديدة، بعد أن بذلوا لهم في الدنيا خالص المحبة والود وانقلبت تلك المحبة والولاية بغضًا وعداوة .. وتبرأ شُرَكَاؤُهُمْ منهم .. وقالواإننا ننزه الله أن يكون له شريك، أو نديد، لماذا كنتم إيانا تعبدون في الدنيا فنحن لم نأمركم بذلك ؟! 

29–فَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ 

–هنا تتبرأ منهم آلهتهم .. التي عبدوها من دون الله قائلة: فالله شاهد - وكفى به - أنّنا لم نرض بعبادتكم لنا، ولم نأمركم بها، وأننا لم نك نشعر بعبادتكم لنا ..

–فما أمرناكم بعبادتنا، ولا دعوناكم لذلك، وإنما عبدتم من دعاكم إلى ذلك، وهو الشيطان قال تعالى: أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ .

 30–هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمْ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ 

هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ في ذلك اليوم - وهو يوم القيامة - وفي ذلك الموقف للحساب تتفقد كل نفس أحوالها وأعمالها .. التي سلفت ومضت وتعاينها وتجازى عليها إن خيرًا فخير, وإن شرًا فشر ..

وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمْ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَوأرجع المشركون إلى ربهم الحق الَّذي هو الله الذي يتولى حسابهم، وذهب عنهم ما افتروه من الشرك، وعلموا أن الذي يعبدونه من دون الله لا ينفعهم ولا يدفع عنهم العذاب. 

31–قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنْ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنْ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ 

–يخبرنا الله بالنعم العديدة التي أنعم بها علي عباده ..

قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ : قل -أيها الرسول- لهؤلاء المشركين بالله: من يرزقكم من السماء بإنزال المطر عليكم؟ ومن يرزقكم من الأرض من نبات .. وبما تحويه من معادن؟

أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ : ومَن يملك ما تتمتعون به أنتم وغيركم من حواسِّ السمع والأبصار ؟! وخصهما بالذكر لكمال شرفهما ونفعهما.

وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنْ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنْ الْحَيِّ : ومن يُخْرِج الحي من الميت كالإنسان من النطفة، والطير من البيضة، ومن يُخْرِج الميت من الحي كالنطفة من الحيوان .. والبيضة من الطير ؟! 

وَمَنْ يُدَبِّرُ الأَمْرَ : ومن يدبر أمر السماء والأرض وما فيهن من مخلوقات؟

فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ : فسيجيبون بأن فاعل ذلك كله هو الله تعالي فقل لهم إلزامًا بالحجة ( أَفَلا تَتَّقُونَ ) الله فتخلصون له العبادة وحده لا شريك له .. وتتقون الله بامتثال أوامره واجتناب نواهيه؟!

32–فَذَلِكُمْ اللَّهُ رَبُّكُمْ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلالُ فَأَنَّا تُصْرَفُونَ 

فَذَلِكُمْ اللَّهُ رَبُّكُمْ الْحَقُّ : فذلكم - أيها الناس - الَّذي يفعل ذلك كله - هو الله الحق خالقكم - ومدبر أموركم ..

فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلالُ : فإن عبادة الله هي الحق ، فمن عبد غير الله فقد وقع في الضلال. 

فَأَنَّا تُصْرَفُونَ : عن عبادة الله الذي وصفه هذا ، إلى عبادة غيره الذي لا يملك لكم نفعًا ولا ضرًا، ولا موتًا ولا حياة ولا نشورًا

33–كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ 

كما ثبتت الوحدانية والربوبية الحقة لله وجبت -أيها الرسول- كلمة ربك القَدَرِية- على الذين قد خرجوا عن الحق عنادًا وكفرا أنهم لايهتدون ولا يؤمنون.

♦♦♦

مِنْ فَوَائِدِ الآيَات

–أعظم نعيم يُرَغَّب به المؤمن هو النظر إلى وجه الله تعالى.

–بيان قدرة الله، وأنه على كل شيء قدير.

–التوحيد في الربوبية والإشراك في الإلهية باطل، فلا بد من توحيدهما معًا.

–إذا قضى الله بعدم إيمان قوم بسبب معاصيهم فإنهم لا يؤمنون.





حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-