شائع

تفسير سورة التوبة صفحة 196 من الآيات (55 - 61) .. وفوائد الآيات

التفسير

55–فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ 

–فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ : فلا تعجبك -أيها الرسول- أموال المنافقين ولا أولادهم، ولا تستحسنها - فهي استدراج - فعاقبة أموالهم وأولادهم سيئة.

–إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا: والمراد بالعذاب هنا، ما ينالهم من المشقة والكد والتعب لتحصيلها وبالمصائب التي تقع فيها، وعدم صلاح الأولاد ، حيث لا يحتسبون ذلك عند الله، حيث قدموهم علي الإيمان بالله ورسوله ﷺ.

–وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ: معذبون إلي أن يخرج الله أرواحهم .. فيموتوا علي حال كفرهم بالله ورسوله  ثم يعذبون بالخلود في الدرك الأسفل من النار.

56–وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ 

وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ: ويحلف المنافقون -بالله- لكم أيها المؤمنون -كذبًا وباطلا ونفاقا- إنهم لمنكم أي: مؤمنون.

–وَمَا هُمْ مِنْكُمْ: وهم ليسوا منكم في بواطنهم، وإن أظهروا أنهم منكم.. 

وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ: لكنهم قوم يخافون. في حال معرفتكم بحقيقتهم- أن يحل بهم مثل ما حل بالمشركين من القتل والسبي فيظهرون لكم الإسلام ويحلفون تَقِيَّة لكم ، ومخافة منكم 

57–لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلاً لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ

–يبين الله حال المنافقين وشدة جبنهم وخوفهم من المؤمنين لأنهم علي باطل 

–لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً: مكان يلجئون إليه آمنًا وحصنًا يحفظهم.

–أَوْ مَغَارَاتٍ: أو يجدون كهوفًا في الجبال يدخلون فيها فيختبئون بها.

–أَوْ مُدَّخَلاً: أو يجدون نفقًا في الأرض أو موضع يدخلون فيه، فيختبئون به. 

–لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ : لالتجؤوا إليه، ودخلوا فيه وهم مسرعون من شدة جبنهم فليس لهم ملكة يقتدرون بها على الثبات.

58–وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ 

–وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ: ومن هؤلاء المنافقين من ينتقدك -أيها الرسول- في قسمة الصدقات، وليس انتقادهم لك لقصد صحيح أو لرأي رجيح، وإنما مقصودهم أن تعطيهم منها. 

–فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ : فإن أعطيتهم منها ما يطلبون رضوا عنك وسكتوا، وإن لم تعطهم ما يطلبون سخطوا عليك، وعابوا، وأظهروا التذمر.

–لذا ينبغي أن يكون هوي العبد تبعا لمرضاة ربه، كما قال النبي  : « لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به ».

59–وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ 

–وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ : ولو أن هؤلاء المنافقين الذين يعيبونك - أيها النبي- في قسمة الصدقات رضوا بما فرضه الله لهم وبما أعطاهم رسوله  منها من قليل أو كثير.

وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ : وقالوا كافينا الله، سوف يعطينا الله من فضله ما يشاء، وسوف يعطينا رسوله ﷺ مما أعطاه الله وسنرضي بما قسمه لنا.

إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ : لو فعلوا ذلك، وقالوا إلى الله وحده نرغب أن يعطينا من فضله ، فيغنينا عن الصدقة وعن صدقات الناس لكان خيرًا لهم وأجدى. من أن يعيبوك.

60–إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ 

–ولما عابوا رسول الله  في قسمة الزكوات بيَّن تعالي لهم مصارفها ومستحقيها تبرئة لرسوله  فقال تعالي:-

إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ: إنما تعطى الزكوات الواجبة إلي - ثمان فئات- هم:-

1–لِلْفُقَرَاءِ: وهم المحتاجون الذين لديهم مال من مهنة أو وظيفة، لكنه لا يكفيهم.

2–وَالْمَسَاكِينِ: الذين لا يكادون يملكون شِيئًا ولا يَخْفوْنَ على الناس بسبب حالهم أو مقالهم.

3–وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا: وهم كل من له عمل فيها، من حافظ لها، أو راع، أو حامل لها، أو كاتب، أو نحو ذلك، فيعطون أجر لعمالتهم فيها.

4–وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ: وللكفار الذين يُتَأَلَّفون بها قلوبهم ليسلموا، أو لضعفة الإيمان ليقوى بها إيمانهم أو يدفع بها شرَّ أحد عن المسلمين

5–وَفِي الرِّقَابِ: وتعطى في عتق رقاب الأرقاء والمكاتبين: وهم الذين قد اشتروا أنفسهم من ساداتهم ويسعون في تحصيل ما يفك رقابهم، فيعانون على ذلك من الزكاة.

6–وَالْغَارِمِينَوهم قسمان:-

الأول: الغارمون لإصلاح ذات البين وهو أن يكون بين طائفتين من الناس شر ، وفتنة ، فيتوسط الرجل للإصلاح بينهم بمال يبذله لأحدهم أو لهم كلهم، فجعل له نصيب من الزكاة، ليكون أنشط له وأقوى لعزمه، فيعطى ولو كان غنيا.

والثاني: من استدان لنفسه في غير إسراف ولا معصية ثم أعسر، فإنه يعطى ما يُوَفِّى به دينه.

7–وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ : في تجهيز المجاهدين في سبيل الله، وفي تجهيز شراء عدة الحرب ..

8–وَاِبْنِ السَّبِيلِ: وهو الغريب المنقطع في غير بلده، فيعطى من الزكاة ما يوصله إلى بلده.

–فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ : هذه القسمة فريضة فرضها الله في صرف الزكوات والله عليم بمصالح عباده, حكيم في تدبيره وشرعه.

61–وَمِنْهُمْ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ 

–وَمِنْهُمْ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ ومن المنافقين قوم يؤذون رسول الله ﷺ بالكلام, ويقولون: إنه يستمع لكل ما يقال له فيصدقه، 

–فإذا بلغه عنا بعض الكلام، ثم جئنا نعتذر إليه، فيقبل منا، لأنه أذن، أي: يصدق كل ما يقال له، لا يميز بين صادق وكاذب، وقصدهم - قبحهم اللّه- فيما بينهم التشكيك فيه ﷺ.

–قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ قل لهولاء المنافقين -أيها النبي- إن محمدًا ﷺ هو أذن تستمع لكل خير، يقبل من قال له خيرا وصدقا، وكان كثيرا ما يعرض عن الذين يعرف كذبهم وعدم صدقهم.

يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ يؤمن بالله ويصدق المؤمنين الصادقين فيما يخبرونه وهو  رحمة فإنهم به يهتدون، وبأخلاقه يقتدون.

–وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ: والذين يؤذون رسول الله  بأي نوع من أنواع الإيذاء, لهم عذاب مؤلم موجع ..

–وكان غرض المنافقين: هو قدحهم في عقل النبي  بعدم إدراكه وعدم تفريقه بين الصادق والكاذب، وهو  أكمل الخلق عقلا، وأتمهم إدراكا ، وأثقبهم رأيا وبصيرة.

وأما إعراضه وعدم تعنيفه لكثير من المنافقين المعتذرين بالأعذار الكذب، فلسعة خلقه وصبره وحلمه، وعدم اهتمامه بهم ، وامتثاله لأمر اللّه في قوله: سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ.

♦♦♦

مِنْ فَوَائِدِ الآيَات

–الأموال والأولاد قد تكون سببًا للعذاب في الدنيا، بما فيها من تعب لتحصيلها ومصائب.

–وقد تكون سببًا للعذاب في الآخرة، فليتعامل العبد معهما بما يرضي الله، فتتحقق النجاة.

–توزيع الزكاة موكول لولاة الأمور يضعونها على حسب حاجة الأصناف وسعة الأموال.

 –إيذاء الرسول  فيما يتعلق برسالته كفر، يترتب عليه العقاب الشديد.

–ينبغي للعبد أن يكون أذن خير لا أذن شر، يستمع ما فيه  الخير، ويعرض عن سماع الشر.






حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-