شائع

تفسير سورة الأنفال صفحة 180 من الآيات (26 - 33) .. وفوائد الآيات

التفسير 
26–وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمْ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ

–يقول تعالى ممتنا على عباده في نصرهم بعد الذلة، وتكثيرهم بعد القلة، وإغنائهم بعد الفقر.

–وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الأرْضِ : حين كنتم في أرض"مكة" قليلي العدد،  فقد كان يستضعفكم أهلها، مقهورون تحت حكم غيركم.

–تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ: تخافون أعداؤكم أن يأخذوكم بسرعة. 

–فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ: فضمكم الله إلى مأوى تأوون إليه وهو "المدينة" وقَوَّاكم بالنصر على أعدائكم في يوم "بدر" بالملائكة.. 

–وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ: ومن جملتها الغنائم التي أخذتموها من أعدائكم في يوم "بدر" وغنمتم من أموالهم ما كنتم به أغنياء.

–لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ اللّه: علي نعمه الكثيرة عليكم ، فيزيدكم منها، ولا تكفرونها فيسلبها منكم، ويعذبكم.

27–يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ 

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا بالله واتبعوا رسوله ﷺ:- 

لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَﷺ: بترك ما أوجبه الله عليكم من امتثال أوامره، واجتناب نواهيه..

–ولا تخونوا ما ائتمنكم الله عليه من الدين وغيره ، وأنتم تعلمون أن - ذلك - أمانة ، عليكم الوفاء بها فتكونوا من الخائنين. 

28–وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ 

–ولما كانت محبة الأموال والأولاد تدفع العبد إلى الخيانة أخبر الله أنهما فتنة، فقال تعالي:-

–واعلموا -أيها المؤمنون- أن أموالكم التي قد استخلفكم الله فيها، وأولادكم الذين وهبهم الله لكم اختبار من الله وابتلاء لعباده:-

–فقد تصدُّكم عن العمل للآخرة وتحملكم على الخيانة.
–وليعلم أيشكرونه عليها ويطيعونه فيها، أو ينشغلون بها عنه؟ 
–واعلموا أن الله عنده خير ، وثواب عظيم ، لمن اتقاه وأطاعه.

29–يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ 

–امتثال العبد لتقوى ربه عنوان السعادة وعلامة الفلاح،  ويحصل له ٤ أشياء:-

–قال تعالي: يا أيها الذين آمنوا بالله واتبعوا رسوله، اعلموا أنكم إن تتقوا الله بامتثال أوامره واجتناب نواهيه تنالوا:-

الأول: الفرقان: يجعل لكم ما تُفرِّقون به بين الحق والباطل، والحلال والحرام، فلا يَلْتَبسان عليكم، فتنجون.

–الثاني: تكفير السيئاتويَمحُ عنكم ما سلف من ذنوبكم ويسترها عليكم, فلا يؤاخذكم بها، ويفسر تكفير السيئات بالذنوب الصغائر.

–الثالث: مغفرة الذنوب: ويغفر لكم ذنوبكم، ويفسر مغفرة الذنوب بتكفير الكبائر.

الرابع: الأجر العظيمومن فضله العظيم جنته التي أعدها للمتقين من عباده. 

30–وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ

–وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا: واذكر -أيها الرسول- حين يكيد لك مشركو قومك بمكة وقد اجتمعوا للمشاورة في شأنك بدار الندوة، ماذا يصنعون بالنبي ﷺ فإما أن :-
 
–لِيُثْبِتُوكَ: يحبسوك ويوثقوك.
–أَوْ يَقْتُلُوكَ: أو يقتلوك فيستريحوا - بزعمهم - 
–أَوْ يُخْرِجُوكَ: نفيك من بلدك إلى بلد غيره.

–وَيَمْكُرُونَ: فاتفق رأيهم على رأي: أبو جهل لعنه اللّه، وهو أن يأخذوا من كل قبيلة من قريش فتى ويعطوه سيفا صارما .. ثم يقتله الجميع قتلة رجل واحد فيتفرق دمه بين القبائل، فيرضى بنو هاشم بديته، لأنهم لا يقدرون على قتال سائر قريش، فترصدوا للنبي ﷺ في الليل ليقتلوه إذا قام من فراشه. 

–وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ: ولكن الله أعمى أبصارهم عنه، وخرج من بينهم دون أن يروه، بعد أن نام علي بن أبي طالب مكانه كي يوهمهم أن الرسول ﷺ نائم، ثم أذن له ربه بالهجرة من "مكة" إلى "المدينة" وبعد أن علا شأنه  دخل مكة منتصرا، وصاروا تحت حكمه ﷺ فسبحان اللطيف بعبده الذي لا يغالبه غالب.

31–وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ 

–يقول تعالى في بيان عناد المكذبين للرسول ﷺ:- 

–وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا: وإذا تتلى على هؤلاء الذين كفروا بالله آيات القرآن الكريم.

–قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا: قالوا جهلا منهم وعنادًا للحق: لقد سمعنا هذا الكلام من قبل، لو نشاء قول مثل هذا القرآن لقلناه.

–إِنْ هَذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ: ما هذا القرآن الذي تتلوه علينا -يا محمد- إلا أكاذيب الأولين؛ فلن نؤمن به.

–فهذا القول الصادر من هذا القائل مجرد دعوى كاذبة ، فقد كان النبي ﷺ أُمِّيٌّ لا يقرأ ولا يكتب، ولا رحل ليدرس من أخبار الأولين، فأتى بالقرآن الكريم تنزيل من حكيم حميد، ولقد تحداهم اللّه أن يأتوا بسورة من مثله، ويدعوا من استطاعوا من دون اللّه، فلم يقدروا على ذلك وتبين عجزهم

32–وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنْ السَّمَاءِ أَوْ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ 

وَإِذْ قَالُوا: واذكر -أيها الرسول- قول المشركين من قومك داعين الله:-

–اللَّهُمَّ إن كان ما جاء به محمد ﷺ هو الحق مِن عندك فأسقط علينا حجارة من السماء تهلكنا بها، أو ائتنا بعذاب شديد موجع. وقد قالوا ذلك -مبالغة في الجحود والإنكار. وهذا وإن دل فإنما يدل علي -جهلهم وسفاهتهم- حتي في دعائهم.

33–وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ 

–وما كان الله تعالي ليعذب أمتك - سواء من كان منهم من أمة الاستجابة ، أو من أمة الدعوة - بعذاب يستأصلهم وأنت -يا محمد- حي موجود بين ظهرانيهم :-
– لأن وجودك بينهم أمان لهم من العذاب، فإن العذاب إذا نزل عمَّ ولم تعذب أمة إلا بعد خروج نبيها والمؤمنين منها..

وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ:
–فكانوا يقولون في طوافهم "غفرانك غفرانك" لأنهم كانوا يخافون من وقوع هذه الدعوة فيهم والعذاب عليهم، فيستغفرون اللّه من ذنوبهم.

♦♦♦

مِنْ فَوَائِدِ الآيَات

–الشكر نعمة عظيمة يزيد بها فضل الله تعالى، وينقص عند إغفالها.

–للأمانة شأن عظيم في استقامة أحوال المسلمين، ما ثبتوا عليها وتخلقوا بها.

–الأمانة دليل علي نزاهة النفس، واعتدال أعمالها، وسيرتها الحسنة، وقبول الأعمال.

–ما عند الله من الأجر -خير- من الانشغال بمحبة الأموال والأولاد.

–في الآيات بيان سفه عقول المعرضين؛ لأنهم لم يقولوا: اللَّهُمَّ إن كان هذا هو الحق من عندك فاهدنا إليه.

–في الآيات فضيلة الاستغفار وبركته، وأنه من موانع وقوع العذاب.






حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-