شائع

تفسير سورة الأنفال صفحة 178 من الآيات (9 - 16) .. وفوائد الآيات

التفسير 

9–إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنْ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ 

–في يوم بدر نظر رسول الله  إلى المشركين وهم ألف وأصحابه ثلاثمائة وسبعة عشر رجلا; فاستقبل نبي الله  القبلة، ورفع يديه، وجعل يهتف بربه : ويستغيثه ويستنصره ، فأنزل الله تعالى: (إذ تستغيثون ربكم  فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين) فأمده الله بالملائكة.

–واذكروا نعمة الله عليكم يوم "بدر" إذ تطلبون النصر على عدوكم .. فاستجاب الله لدعائكم: بأنه ممدكم -أيها المؤمنون- ومعينكم بألف     من الملائكة ، متتابعين يتبع بعضهم بعضًا.

10–وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلاَّ بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ 

وما جعل الله الإمداد بالملائكة إلا بشارة لكم -أيها المؤمنون- بأن الله ناصركم على عدوكم، ولتسكن قلوبكم وتكون موقنة بالنصر، وليس النصر بكثرة العَدَدِ، وتوافر العُدَدِ، وإنما النصر من عند الله سبحانه، إن الله عزيز في ملكه، لا يغالبه أحد، حكيم في شرعه وقَدَرِهِ.

11–إِذْ يُغَشِّيكُمْ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ 

–ومن نصره واستجابته لدعائكم:-

–إِذْ يُغَشِّيكُمْ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ: واذكروا -أيها المؤمنون- إذ يُلْقِي الله تعالي النعاس عليكم أمنًا مما حصل لكم من الخوف من عدوكم، ويكون علامة على النصر والطمأنينة.

–وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ  وأنزل عليكم من السماء مطرا ليطهركم به من الأحداث والخبث 

وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ: وليطهركم به من وساوس الشيطان وزجره .. بأنكم لو كنتم على الحق ما كنتم ظمأى والمشركون على الماء

–وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُم: وليثبِّت به قلوبكم لتثبت أبدانكم عند لقاء عدوكم، فإن ثبات القلب، أصل ثبات البدن..

 –وَيُثَبِّتَ بِهِ الأقْدَامَ: بتلبيد الأرض الرملية بالمطر حتى لا تنزلق فيها الأقدام.

12–إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ 

وهذا خطاب للملائكة: إذ يوحي ربك -أيها النبي- إلى الملائكة الذين أمد الله بهم المؤمنين في بدر: أني معكم -أيها الملائكة- بالنصر والتأييد، فَقَوُّوا عزائم المؤمنين على قتال عدوهم، سألقي في قلوب الذين كفروا الخوف الشديد.

–وهذا خطاب للمؤمنينليعلمهم كيف يقتلون المشركين .. فاضربوا -أيها المؤمنون- رؤوس الكافرين ليموتوا، واضربوا كذلك .. مفاصلهم وأطرافهم ليتعطلوا عن قتالكم. 

13–ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِقْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ 

–ذلك الواقع بالكفار من القتل وضرب الأطراف سببه أنهم خالفوا الله ورسوله، فلم يأتمروا بما أمروا به، ولم ينتهوا عما نهوا عنه، ومن يخالف الله ورسوله  في ذلك فإن الله شديد العقاب له في الدنيا بالقتل والأسر، وفي الآخرة بالنار.

14–ذَلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النَّارِ 

ذلكم العذاب المذكور لكم -أيها المخالفون لله ورسوله- فذوقوه مُعَجَّلًا لكم في الحياة الدنيا، وفي الآخرة لكم عذاب النار إن متم على كفركم وعنادكم.

15–يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمْ الأَدْبَارَ 

يأمر الله تعالى عباده المؤمنين بالشجاعة الإيمانية، ونهاهم عن الفرار إذا التقى الزحفان

–يا أيها الذين آمنوا بالله واتبعوا رسوله ﷺ إذا قابلتم المشركين في القتال متقاربين منكم كأنهم لكثرتهم يزحفون، فلا تُوَلُّوهم ظهوركم, فتنهزموا .. ولكن اثبتوا في وجوههم واصبروا على لقائهم وقتالهم -فإن في ذلك- نصرة لدين اللّه ، وقوة لقلوبكم ، وإرهابا للكافرين ، والله معكم بنصره وتأييده.

16–وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنْ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ 

–وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ:  بين- سبحانه - أن تولية الأدبار محرمة إلا في حالتين :- 

1–الحالة الأولى: مُتَحَرِّفاً لِقِتَالٍ: من التحرف بمعنى الميل والانحراف من جهة إلى جهة بقصد المخادعة في القتال

 وذلك: بأن يكون المؤمن عند توليته الأدبار مائلا عن مكانه إلى مكان آخر أصلح للقتال فيه، أو أن يكون منعطفا إلى  قتال طائفة من الأدبار أهم من الطائفة التي أمامه، أو أن يوهم عدوه بأنه منهزم أمامه استدراجا له، ثم يكر عليه فيقتله.

2–الحالة الثانية: مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ: من التحيز بمعنى الانضمام

 وذلك: بأن يكون في توليه منحازا إلى جماعة أخرى من الجيش ومنضما إليها للتعاون معها على القتال، حيث إنها في حاجة إليه.

–وهذا كله من أبواب خدع الحرب ومكايدها.

فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنْ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ: فمن يتولي الزحف أمام الأعداء في غير هاتين الحالتين - غير متحرف ، ولا متحيزفقد استحق الغضب من الله تعالي ومقامه جهنم وبئس المصير. والمنقلب.

وهذا يدل على أن الفرار من الزحف من غير عذر من الكبائر كما وردت بذلك الأحاديث الصحيحة وكما نصت الآية بهذا الوعيد الشديد.

♦♦♦

مِنْ فَوَائِدِ الآيَات

 –يسر الله الأسباب للمؤمنين التي ثبت بها إيمانهم وأقدامهم وزال عنهم المكروه والوساوس الشيطانية.

–إن النصر بيد الله، ومِن عنده سبحانه، وهو ليس بكثرة عَدَدٍ ولا عُدَدٍ مع أهمية هذا الإعداد.

–الفرار من الزحف من غير عذر من أكبر الكبائر.

–من قواعد الحرب: طاعة الله والرسول، والثبات أمام الأعداء، والصبر عند اللقاء، وذِكْر الله كثيرًا.

 




حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-