شائع

تفسير سورة الأعراف صفحة 169 من الآيات (150 - 155) .. وفوائد الآيات

التفسير 
150–وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِي الأَعْدَاءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ 

–ورجع موسى إلى قومه بني إسرائيل غضبان حزينًا; لأن الله قد أخبره أنه قد فتن قومه ، وأن السامريَّ قد أضلهم قال موسى عليه السلام: بئس الحالة التي خلفتموني بها -يا قوم- من بعد ذهابي عنكم لمناجاة ربكم، أستعجلتم أمر ربكم حيث وعدكم بإنزال الكتاب ..وأنتم قد مللتم انتظاري -فبادرتم- بعبادة العجل من دون الله..؟ 

–وألقى موسى ألواح التوراة من شدة ما أصابه من الغضب والحزن، وأمسك برأس أخيه هارون ولحيته يسحبه إليه لبقائه معهم وعدم تغييره ما رآهم عليه من عبادة العجل.

–قال هارون معتذرًا لموسي عليهما السلام : يا ابن أمي -مستعطفًا إياه- بذكر الأم وحدها، وإنما هو شقيقه لأمه وأبيه:-
 
–إن القوم حسبوني ضعيفًا بتركك إياي وأوشكوا أن يقتلوني .. فلا تظن بي تقصيرا.

–وإني خفت إن تركتهم وجئت لأخبرك بأمرهم أن تقول لي: لماذا تركتهم وجئتني؟ وقد استخلفتني عليهم فترة غيابك.

فلا تسرّ الأعداء بما تفعل بي، ولا تجعلني في غضبك مع القوم الظالمين، الذين خالفوا أمرك وعبدوا العجل.

151–قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ 

وقف موسى أمام القوم وقال للسامري إن الله سيعذبك عذاباً شديداً وخرج من قومه مطروداً ليعيش وحده في الصحراء .. وأمر موسى عليه السلام أن يحرقوا العجل ونثر الرماد في البحر وتوجه إلى الله يسأله المغفرة له ولأخيه..  

–فدعا ربه قائلا: ربِّ اغفر لي غضبي وما صنعت بأخي واغفر لأخي ما سبق بينه وبين قومه بني إسرائيل وأدخلنا -يا ربنا- في رحمتك الواسعة واجعلها تحيط بنا من كل جانب، وأنت -يا ربنا- أرحم بنا من كل راحم.

152–إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ 

–إن الذين اتخذوا العجل إلهًا سينالهم غضب شديد مِن ربهم وهوان في الحياة الدنيا; وقد عذبهم الله .. بقتل أنفسهم في الحياة الدنيا ليتوب عليهم، ولمن لم يتب كتب عليهم الذل والعذاب، -بسبب كفرهم بالله ورسلهوبمثل هذا الجزاء كما فعلنا بهؤلاء نفعل بالمفترين المبتدعين في دين الله، فكل صاحب بدعة ذليل.

153–وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِهَا وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ 

والذين عملوا السيئات من الشرك بالله، وفعل المعاصي، ثم تابوا إلى الله بأن آمنوا به، وانتهوا عما كانوا يعملونه من المعاصي، إن ربك -أيها الرسول- من بعد هذه التوبة النصوح .. والرجوع من الشرك إلى الإيمان، ومن فعل المعاصي إلى الطاعة لغفور لأعمالهم، بالستر والتجاوز، رحيم بهم.

154–وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ 

ولما سكن عن موسى عليه السلام الغضب وهدأت نفسه، وعرف ما هو فيه، اْخذ الألواح التي رماها بسبب الغضب، وَفِي نُسْخَتِهَا أي: مشتملة ومتضمنة علي:-

–الهدي: من الضلالة، وبيان الحق من الباطل، وأعمال الخير وأعمال الشر، والهدى لأحسن الأعمال، والأخلاق، والآداب..
 
–والرحمة: للذين يخشون ربهم، ويخافون من عقابه  وسعادة: لمن عمل بها وعلم أحكامها ومعانيها..

155–وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمْ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ 

–لما عبد قوم موسى العجل وسقط في أيديهم ورأوا أنهم قد ضلوا ، وأرادوا التوبة ، قالوا ( لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) سورة الأعراف/149، فجعل الله لهم ..– امتحانا شديدا لقبول توبتهم – وهو أن يقتلوا أنفسهم  فيُغِير بعضهم على بعض ويتقاتلوا بينهم حتى يأتي أمر الله بكف القتال .. وعندما أمسك الله عنهم القتل جعل للحي منهم توبة ، وللمقتول منهم شهادة..

واختار موسى عليه السلام من قومه سبعين رجلا مِن خيارهم : ممن لم يعبدوا العجل بأمره تعالى، ليعتذروا إلى ربهم عما فعله سفهاؤهم من قومهم من عبادة العجل، ووعدهم الله -مكانا وأجلا محددا- يحضرون فيه.

–وخرج بهم -نبيهم- إلى طور "سيناء" في الوقت والأجل الذي واعده به الله تعالي أن يلقاه فيهم للتوبة علي سفهاء بني إسرائيل، فلما أتوا علي ذلك المكان قالوا: لن نؤمن لك -يا موسى- حتى نرى الله جهرة فإنك قد كلَّمته فأرِنَاهُ فأخذتهم الزلزلة الشديدة فماتوا جميعا ..

فقام موسى عليه السلام يتضرع إلى الله تعالي ويقول:-
–يا رب ماذا أقول لبني إسرائيل إذا أتيتُهم، وقد أهلكتَ خيارهم؟ 

–يا رب لو شئت لأهلكتهم جميعًا قبل مجيئهم وأنا معهم لكان ذلك أخف علي.. فأنا إذا رجعت بدونهم فسوف يعلن بنو إسرائيل ذلك الخبر ويتهموني ..

–يا رب أتهلكنا بسبب ما فعله خفاف العقول منا؟ واعتذر بأن المتجرئين على اللّه ليس لهم عقول كاملة، تردعهم عما قالوا وفعلوا.. 

–يا رب، فما قام به قومي من عبادة العجل ما هو إلا -ابتلاء واختبار- تضل به من تشاء، وتهدي من تشاء، أنت متولي أمرنا فاغفر لنا ذنوبنا، وارحمنا برحمتك الواسعة، وأنت خير من غفر ذنبًا، وعفا عن إثم.

♦♦♦

مِنْ فَوَائِدِ الآيَات

–إن بني إسرائيل كانوا ينتقلون من ضلالة إلى أخرى، ولم يتعظوا بسبب طبيعتهم المنحرفة 

–من مظاهر خذلان الأمة أن تُحَسِّن القبيح، وتُقَبِّح الحسن بالرغم من وجود نبي بينهم

–من آداب الدعاء البدء بالتوبة النصوج عن الذنب تأدُّبًا مع الله، ثم طلب المغفرة.

–التحذير من الغضب وتسلطه على العقل، فإنه يورث الندامة، ويضيع الحقوق

–الخوف من الله، فانظر إلى مقام موسى عليه السلام عند ربه، وانظر خشيته من غضب ربه.





حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-