شائع

تفسير سورة الأنعام صفحة 144 من الآيات ( 125 - 131) .. وفوائد الآيات

التفسير 

125–فَمَنْ يُرِدْ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ 

–يقول تعالى - مبينا لعباده علامة سعادة العبد وهدايته، وعلامة شقاوته وضلاله- : 

فمن يشأ الله أن يوفقه لقَبول الحق يشرح صدره للتوحيد والإيمان, وحب العمل والطاعة في العبادات، وحب الخير وحب فعله.. فإن هذا علامة على أن الله قد هداه، ومَنَّ عليه بالتوفيق

ومن يشأ الله أن يضله: يجعل صدره في حال شديدة من الانقباض عن قَبول الهدى، ويمتنع دخول الحق إلى قلبه، لأنه قد انغمس قلبه في الشبهات والشهوات، فلا يصل إليه خير، ولا ينشرح قلبه لفعل الخير ..

وحال هذا الضال أنه من ضيق صدره وشدة اختناقه كالذي يتكلف في الصعود إلى السماء وارتقائه إلي طبقات الجو العليا فلا يستطيع التنفس، ويشعر بالاختناق. وكما جعل الله حال الضال هكذا من الضيق الشديد، يجعل تعالي العذاب على الذين لا يؤمنون به.

126–وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيماً قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ 

وهذا الدين -الإسلام- الذي شرعناه لك -أيها الرسول- هو صراط الله المستقيم لا اعوجاج فيه، قد بينت أحكامه، وفصلت شرائعه، وميز الخير فيه من الشر، ولكن هذا التفصيل والبيان ليس لأي أحد، إنما لمن يتذكر من أهل العقول الراجحة ويعقل، وقد أعد الله لهم جزيل الثواب.

127–لَهُمْ دَارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ 

للمتذكرين عند ربهم جل وعلا يوم القيامة دار السلام وهي الجنة، وسميت بذلك، لسلامتها من كل عيب وآفة، وأن نعيمها في غاية الكمال  بحيث لا يقدر على وصفه الواصفون ، والله هو مولاهم وناصرهم، وحافظهم، جزاءً لهم; بسبب أعمالهم الصالحة، التي قصدوا بها رضا مولاهم بخلاف من أعرض عن مولاه، واتبع هواه، فإنه سلط عليه الشيطان فتولاه، فأفسد عليه دينه ودنياه وآخرته.

128–وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدْ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنْ الإِنسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنْ الإِنسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ 

واذكر -أيها الرسول- يوم يحشر الله الثَّقَلَيْن من الإنس والجن، ثم يقول الله: موبخا للجن الذين أضلوا الإنس وزينوا لهم الشر يا معشر الجن، قد أكثرتم من إضلال الإنس وصدهم عن سبيل الله؟! فلا تسألون عما يحل بكم من النكال والعذاب ، ولهذا لم يذكر الله لهم اعتذارا.

–وأما أتباعهم من الإنس، فإنهم أبدوا عذرا غير مقبول فقالوا: يا ربنا، قد تَمَتَّع كل منا بصاحبه، فالجني تمَتَّع بطاعة الإنسي له وكفره، والإنسي تَمَتَّع بنيل شهواته الدنيوية، ولقد حصل منا من الذنوب ما لا يمكن رده، والآن قد وصلنا إلي يوم القيامة الذي نجازى فيه بالأعمال، فالأمر أمرك، والحكم حكمك. فافعل بنا الآن ما تشاء، واحكم فينا بما تريد..

–وكأن في هذا الكلام منهم: نوع تضرع وترقق، ولكن –في غير أوانه– ولهذا حكم فيهم بحكمه العادل، الذي لا جور فيه فقال: ( النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا )، ولما كان هذا الحكم من مقتضى حكمته وعلمه، ختم الآية بقوله: ( إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ

 129–وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ 

–وكما وَلَّينا المَرَدَة من الجن، وسَلَّطناهم على بعض الناس ليضلوهم، نولي كل ظالم ظالمًا يحثه على الشر ويحضه عليه، وينفِّره عن الخير، ويزهِّده فيه؛ جزاءً لهم على ما كانوا يكسبون. من المعاصي وهذا من عقوبات الله العظيمة الشنيع أثرها، البليغ خطرها.

–والذنب ذنب الظالم: فالعباد إذا كثر ظلمهم وفسادهم، ومنْعهم للحقوق الواجبة، ولَّى الله عليهم أناس يسومونهم سوء العذاب ظلمة يأخذون منهم بالظلم والجور، أضعاف ما كانوا يمنعون من حقوق الله، وحقوق عباده، على وجه غير مأجورين فيه ولا محتسبين، وأن العباد إذا صلحوا واستقاموا أصلح الله رعاتهم، وجعلهم أئمة عدل وإنصاف، لا ولاة ظلم واعتساف. 

130–يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنفُسِنَا وَغَرَّتْهُمْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ 

–ثم وبخ الله جميع من أعرض عن الحق  من الجن والإنس، وبين خطأهم، واعترفوا بذلك

–أيها المشركون من الجن والإنس، ألم يأتكم رسل من جنسكم -وهم من الإنسيخبرونكم بآياتي الواضحة  المشتملة على الأمر والنهي وبيان الخير والشر, ويحذرونكم لقاء عذابي في يوم القيامة؟! قالوا: بلى ، أقررنا على أنفسنا بأن رسلك قد بلّغونا، وأقررنا بلقاء هذا اليوم.

وأننا قد كذبنا رسلك، وكذبنا بلقاء هذا اليوم. وخدعتنا الحياة الدنيا بما فيها من زينة وزُخْرف ونعيم زائل، وأقروا على أنفسهم أنهم كانوا في الدنيا كافرين بالله وبرسله، ولن ينفعهم هذا الإقرار ولا الإيمان -هذا اليوم- لفوات وقته. 

131–ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ 

–يخبر الله تعالي: أنه أعذر إلى الثقلين - الإنس والجن- بإرسال الرسل وإنزال الكتب لئلا يُعاقَب أحدٌ على ما جناه وهو لم يُرْسَل إليه رسول، ولم تبلغه دعوة، ولكن قد أعذرنا إلى الأمم وأرسلنا إليهم الرسل مبشرين ومنذرين فلم نعذب أمة من الأمم  إلا بعد إرسال الرسل إليهم.

♦♦♦

مِنْ فَوَائِدِ الآيَات

سُنَّة الله في الضلال والهداية أنهما من فعل العبد باختياره بعد مشيئة الله.

–ولاية الله للمؤمنين بحسب أعمالهم الصالحة، فكلما زادت أعمالهم الصالحة زادت ولايته لهم.

–من سُنَّة الله أن يولي كل ظالم ظالمًا مثله، يدفعه إلى الشر ويحثه عليه، ويزهِّده في الخير.


 





حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-