شائع

تفسير سورة الأنعام صفحة 143 من الآيات (119 - 124) .. وفوائد الآيات

التفسير

119–وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيراً لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ 

ما الذي يمنعكم -أيها المؤمنون- من أن تأكلوا مما ذكِر اسمُ الله عليه، وقد بين الله لعباده ما حرم عليهم في كتابه العزيز وفصله، وأوضحه؟!

–لكن ما دعت إليه الضرورة بسبب المجاعة، مما هو محرم عليكم كالميتة وغيرها .. فإنه مباح لكم كما قال تعالى: "حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ إلى أن قال تعالي: فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ

– وإن كثيرا من المشركين -يُحِلُّون- ما حرَّم الله من الميتة وغيرها.. -ويحرِّمون- ما أحل الله من البَحِيرة والوَصِيلة والحامي؛ كما قال تعالي: "مَا جَعَلَ اللَّهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ ۙ وَلَٰكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ۖ وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ"

–إنما يفعل المشركون ذلك في تحليل الحرام وتحريم الحلال بأهوائهم؛ ليبعدون أتباعهم عن الحق بسبب آرائهم الفاسدة   جهلا منهم. إن ربك -أيها الرسول- هو أعلم بمن تجاوز حده في ذلك, وهو الذي يتولى حسابه وجزاؤه. 

120–وَذَرُوا ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ 

–الإثم الظاهر: جميع المعاصي العلانية التي تتعلق بالبدن وتتمثل في حقوق الله وحقوق عباده ..
–الإثم الباطن: جميع المعاصي الباطنة التي تتعلق بالقلب كالكبر والعجب والرياء ..

–ولا يتم للعبد ترك المعاصي الظاهرة والباطنة ، إلا بعد معرفتها، والبحث عن معاصي القلب والبدن، والعلمُ بها واجبا متعينا على المسلم.

–ثم نهى الله تعالي عباده عن ارتكاب الإثم فقال تعالي : اتركوا -أيها الناس- جميع المعاصي ما كان منها علانية وما كان سرًّا. إن الذين يفعلون المعاصي سوف يعاقبهم ربهم; بسبب ما كانوا يعملونه من السيئات. 

121–وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ 

–ينهي الله عبادة من الذبائح التي لم يذكر اسمه، فيقول تعالي:-

–لا تأكلوا -أيها المسلمون- من الذبائح التي لم يذكر اسم الله عليها عند الذبح ، كالميتة ، وما ذبح للأوثان والجن ، وغير ذلك .. وإن الأكل من تلك الذبائح لخروج عن طاعة الله تعالى. 

–وسبب نزول الآية: إن المشركين - حين سمعوا تحريم الله ورسوله الميتةَ، وتحليله للمذكاة، وكانوا يستحلون أكل الميتة- قالوا - معاندة لله ورسولهﷺ ومجادلة بغير حجة ولا برهان أتأكلون ما قتلتم، ولا تأكلون ما قتل الله ؟! يعنون بذلك: الميتة.

–وإنه قد يوحي شياطين الجن إلى أوليائهم من شياطين الإنس، ليجادلوا المسلمين بالباطل ليحلوا ما حرم الله من أكل الميتة فيُلْقون إليهم بالشبهات .. ويقولون لهم: "إنكم بعدم أكلكم الميتة لا تأكلون ما قتله الله ، بينما تأكلون مما تذبحونه أنتم" وإن أطعتموهم -أيها المسلمون في تحليل الميتة- فأنتم وهم في الشرك سواء.

122–أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ 

–قل هل يستوي من كان ميتًا في الضلالة هالكا حائرا، فأحيينا قلبه بالإيمان، وهديناه ووفقناه لاتباع رسله، فأصبح يعيش في أنوار الهداية، كمن مثله في ظلمات الكفر والجهل والمعاصي لا يستطيع الخروج منها، لأنها التبست عليه الطرق وأظلمت عليه المسالك ؟! لا يستويان..

–وكما حُسِّن لهؤلاء المشركين ما هم عليه من الشرك، وأكل الميتة، والجدال بالباطل.. كذلك حُسِّن للكافرين ما كانوا يعملون من المعاصي ليجازوا عليها يوم القيامة بالعذاب الأليم. 

123–وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلاَّ بِأَنفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ 

ومثل ما حدث من أكابر المشركين في مكة من صدٍّ عن سبيل الله، جعلنا في كل قرية رؤساء قد كبر جرمهم وطغيانهم ليمكروا فيها بالصد عن دين الله، ومحاربة الرسل وأتباعهم، والواقع أن مكرهم وكيدهم إنما يعود عليهم، ولكنهم لا يحسون بذلك لجهلهم واتباع أهوائهم، كما قال تعالي: "وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ "

 وكذلك يجعل الله كبار أئمة الهدى وأفاضلهم، يناضلون هؤلاء المجرمين، بل ويردون أقوالهم عليهم ويجاهدونهم في سبيل الله، ويسلكون بذلك السبل الموصلة إلى ذلك، ويعينهم الله ويسدد رأيهم، ويثبت أقدامهم، ويداول الأيام بينهم وبين أعدائهم، حتى يكون الأمر في عاقبته بنصرهم وظهورهم، والعاقبة للمتقين.

124–وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ 

وإذا جاء المشركين من أهل "مكة" حجة ظاهرة على نبوة محمد  قالوا: لن نصدق بنبوته حتى يعطينا الله من النبوة والمعجزات مثلما أعطى رسله السابقين، فردَّ الله تعالى عليهم بقوله: الله أعلم بالذين هم أهل لحمل رسالته والقيام بأعبائها وتبليغيها إلي الناس فيختصه بالنبوة والرسالة سوف ينال هؤلاء الطغاة الذل ولهم عذاب موجع في نار جهنم; بسبب كيدهم لدين الإسلام وأهله ..

–وفي هذه الآية: دليل على كمال حكمة الله تعالى، لأنه وإن كان تعالى رحيما واسع الجود، فإنه حكيم لا يضع جوده إلا عند أهله .. 

♦♦♦

مِنْ فَوَائِدِ الآيَات

الأصل في الأشياء والأطعمة الإباحة، فإذا لم يرد الشرع بتحريم شيء منها فإنه مباح.

الله أعلم بالذين هم أهل لحمل رسالته، فيختصه بالنبوة والرسالة  

ينهي الله عباده من الذبائح التي لم يذكر عليها اسمه، فمن يفعل ذلك فهو خروج عن طاعته

–لقد أوضح الله في القرآن ما حلله وما حرمه من الذبائح  فمن خالف ذلك فإنه مع أهل الشرك

–منفعة المؤمن ليست مقتصرة على نفسه، بل مُتَعدِّية لغيره من الناس.

 




حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-