شائع

تفسير سورة الأنعام صفحة 142 من الآيات (111 - 118) .. وفوائد الآيات

التفسير 

111–وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمْ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمْ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ 

–ولو أننا أجبنا طلب هؤلاء المشركين، بالإتيان بما اقترحوه، فنزلنا عليهم الملائكة من السماء وشاهدوهم، وأحيينا لهم الموتى من قبورهم فكلموهم وأخبروهم بصدق ما جئت به، وحشرنا كل شيء إليهم حتى يكلمهم مشاهدة فعاينوه أمامهم مباشرة؛ لم يصدِّقوا بما جئت ودعوتهم إليه -أيها الرسول- وما كانوا ليؤمنوا، إلا من شاء الله له الهداية منهم، ولكن أكثر الناس يجهلون..فلا يلجؤون إلى الله ليوفقهم للهداية

112–وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ 

–يقول تعالى مسليا لرسوله  وكما ابتليناك -أيها الرسول- بأعدائك من المشركين ابتلينا جميع الأنبياء عليهم السلام بأعداء مِن مردة قومهم وأعداء من مردة الجن، يقومون بضد ما جاءت به الرسل ..

–يزين بعضهم إلى بعض القول الذي يدعون إليه من الباطلويزخرفون له العبارات حتى يجعلوه في أحسن صورة، ليغتر به السفهاء وينقاد له الأغبياء ، فيضل عن سبيل الله، ولو أراد ربك ألا يفعلوا ذلك ما فعلوه، ولكن هذا الابتلاء من الله عز وجل، فدعهم وما يختلقون مِن كذب وزور ، ولا تعبأ بهم، فسيجازيهم الله علي ما يفعلون..

113–وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ 

–ولِتميل إلي هذا الكلام المزخرف بالباطل قلوب الكفار الذين لا يصدقون بالحياة الآخرة، ولا هم يعملون لها وليقبلوا لأنفسهم - هذا الباطل - ويرتضوه لها وليكتسبوا من المعاصي ، والآثام ما هم مكتسبون ، وفي هذا تهديد عظيم لهم.

–ومن حكمة الله تعالى، في جعله للأنبياء أعداء، وللباطل أنصارا قائمين بالدعوة إليه، أن يحصل لعباده الابتلاء والامتحان، ليتميز الصادق من الكاذب، والبصير من الأعمى.

114–أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ إِلَيْكُمْ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُونَنَّ مِنْ الْمُمْتَرِينَ 

–قل -أيها الرسول- للمشركين الذين يعبدون مع الله غيره: هل يعقل أن أقبل غير الله حكمًا بيني وبينكم؟ فالله هو الذي أنزل عليكم القرآن مُبينًا مُسْتوفِيًا لكل شيء ، وإن اليهود الذين أعطيناهم التوراة، والنصارى الذين أعطيناهم الإنجيل، يعلمون أن القرآن مُنزَّل عليك مشتملًا على الحق، لما وجدوه في كتابيهما من الدليل على ذلك، فلا تكونن من الشاكِّين فيما أوحينا إليك.

–وَنَزَلَت الآيةلَمَّا طَلَبُوا مِنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَجْعَل بَيْنه وَبَيْنهمْ حَكَمًا قُلْ {أَفَغَيْر اللَّه أَبْتَغِي} أَطْلُب {حَكَمًا} قَاضِيًا بَيْنِي وَبَيْنكُمْ {وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إلَيْكُمْ الْكِتَاب} الْقُرْآن {مُفَصَّلًا} مُبَيَّنًا فِيهِ الْحَقّ مِنْ الْبَاطِل {وَاَلَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَاب} التَّوْرَاة -كَعَبْدِ اللَّه بْن سَلَام- وَأَصْحَابه {يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّل} بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيد {مِنْ رَبّك بِالْحَقِّ فَلَا تَكُونَن مِنْ الْمُمْتَرِينَ} الشَّاكِّينَ فِيهِ وَالْمُرَاد بِذَلِكَ التَّقْرِير لِلْكُفَّارِ أَنَّهُ حق

115–وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ 

وتمت كلمة ربك -وهي القرآن- صدقًا في الأخبار والأقوال، وعدلا في الأحكام، فلا أصدق من أخبار الله التي أودعها في هذا الكتاب العزيز، ولا أعدل من أوامره ونواهيه -ولا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ الله- حيث حفظها تعالي وأحكمها بالصدق وبغاية الحق ، فلا يستطيع أي أحد أن يبدِّل كلمات الله الكاملة والله هو -السميع - لأقوال عباده وهو - العليم - بظواهر أمورهم وبواطنها ..

116–وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ

–يقول تعالي: محذرا لنبيه محمد ﷺ عن طاعة أكثر الناس 

–ولو قُدِّر أنك أطعت -أيها الرسول- أكثر من في الأرض من الناس يضلونك عن دين الله فقد جرت -سُنَّة الله- أن يكون الحق مع القلة فإن أكثر الناس قد انحرفوا في أديانهم وأعمالهم .. فأديانهم فاسدة، وأعمالهم تبع لأهوائهم ، وهم لا يتبعون إلا الظن، الذي لا مستند له ..

–وهم يكذبون في القول على الله، حيث ظنوا أن معبوداتهم تقربهم إلى الله زُلفَى، وهم يكذبون في ذلك..ومن كان بهذه المثابة، فحري أن يحذِّر الله تعالي منه عبادَه، ويصف لهم أحوالهم؛ لأن هذا –وإن كان خطابا للنبي - فإن أمته أسوة له في سائر الأحكام.

117–إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ 

إن ربك - أيها الرسول- هو أعلم بالضالين عن سبيل الرشاد، وهو أعلم منكم ومنهم بمن كان على استقامة وسداد، لا يخفى عليه منهم أحدا، وسيجازي كلا بما يستحق ..فيجب عليكم - أيها المؤمنون- أن تتبعوا أوامره، ونواهيه، لأنه أعلم بمصالحكم ، وأرحم بكم من أنفسكم.

118–فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ 

–يأمر الله تعالى عباده المؤمنين أن يأكلوا مما ذكر اسم الله عليه من بهيمة الأنعام وغيرها من الحيوانات المحللة عند الذبح -ويعتقدوا حلها-. 

–ولا يفعلوا كما يفعل أهل الجاهلية من تحريم كثير من الحلال، ابتداعا من أنفسهم وإضلالا من شياطينهم ، إن كانوا مؤمنين بالله ورسوله وعملوا بشرعه.

♦♦♦

مِنْ فَوَائِدِ الآيَات

–علي العبد اتباع الحق ويرجو عون ربه في اتباعه، ولا يتكل على نفسه وحوله وقوته.

–من إنصاف القرآن للقلة المؤمنة العالمة إسناده الجهل والضلال إلى أكثر الخلق.

–من سنّة الله ظهور أعداء من الإنس والجنّ للأنبياء وأتباعهم؛ لأنّ الحقّ يعرف بضدّه من الباطل.

–القرآن كتاب مبارك تكثر به الخيرات، صادق في أخباره، عادل في أحكامه.





حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-