شائع

تفسير سورة الأنعام صفحة 140 من الآيات (95 - 101) .. وفوائد الآيات

التفسير 

95–إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنْ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنْ الْحَيِّ ذَلِكُمْ اللَّهُ فَأَنَّا تُؤْفَكُونَ 

يخبر تعالى عن كماله، وعظمة سلطانه، وقوة اقتداره  وذكر مادة خلق الأقوات، فقال تعالي:-
إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ: شامل لسائر الحبوب، التي يباشر الناس زرعها، والتي لا يباشرونها، على اختلاف أنواعها، وأشكالها، ومنافعها. 
ويفلق النوى عن الأشجار: من النخيل والفواكه، وغير ذلك. فينتفع الخلق، من الآدميين والأنعام والدواب ويرتعون فيما فلق الله تعالي من الحب والنوى ، ويقتاتون. 
يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِإذ يخرج الإنسان وسائر الحيوان من النطفة، ومن البيضة فرخا، ومن الحب والنوى: زرعا وشجرا.
وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنْ الْحَيِّ: وهو الذي لا نمو فيه، أو لا روح مِنَ الْحَيِّ، إذ يخرج النطفة من الإنسان، ويخرج من الأشجار والزروع النوى والحب، ويخرج من الطائر بيضا ونحو ذلك.  
ذلكم الله: الذي فعل كل هذا وحده لا شريك له المستحق للعبادة، فكيف تُصْرَفون عن الحق إلى الباطل فتعبدون معه غيره؟

96–فَالِقُ الإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَاناً ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ 

ولما ذكر مادة خلق الأقوات، ذكر كل ما يحتاج إليه العباد من الضياء والظلمة فقال تعالي:-

فَالِقُ الإصْبَاحِ: كما أن الله فالق الحب والنوى كذلك هو فالق ظلمة الليل بضياء الصبح الذي يفلقه تعالي شيئا فشيئا حتي تذهب ظلمة الليل كلها ويخلفها الضياء والنور العام الذي ينصرف فيه الخلق إلي مصالح دينهم ودنياهم.

ولما كان الخلق محتاجين إلى السكون والراحة والاستقرار التي لا تتم في وجود النهار والنور : جعل الله الليل سَكَنًا يسكن فيه الآدميون إلى دورهم ومنامهم، والأنعام إلى مأواها، والطير لأوكارها، ثم يزيل الله ذلك بالضياء، وهكذا أبدا إلى يوم القيامة ..

–وجعل تعالى الشمس وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا: تعرف بهما الأزمنة والأوقات، فتنضبط بذلك أوقات العبادات، وآجال المعاملات، ويعرف بها مدة   ما مضى من الأوقات التي لولا وجود الشمس والقمر، وتناوبهما واختلافهما - لما عرف ذلك عامة الناس.

–ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الذي من عزته انقادت له هذه المخلوقات فصارت مسخرة مذللة بأمره، بحيث لا تتعدى ما حدده الله لها، وهو العليم بمصالح خلقه وتدبير شئونهم، ومن أسماء الله الحسنى -العزيز ، والعليم- اللذان يدلان على كمال العز والعلم ..

97–وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ 

–جَعَلَ الله لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بها في الظلمة الشديدة في البر، والبحر إذا ضللتم حين تشتبه عليكم المسالك ، ويتحير السالك في سيره ، فجعلها الله هداية لكم في أسفاركم  ولقضاء مصالحكم وتجاراتكم.

–قَدْ بينا الآيَاتِ ووضحناها: بحيث صارت آيات الله ظاهرة لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ويتدبرون تلك الأدلة والبراهين فيستفيدون منها بخلاف من هم من أهل الجهل والجفاء المعرضين عن آيات الله، فإن البيان لا يفيدهم شيئا، والتفصيل لا يزيل عنهم ملتبسا، والإيضاح لا يكشف لهم إبهاما.

98–وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ 

–وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ: بدأ خلقكم أيها الناس من آدم عليه السلام; إذ خلقه من طين، ثم كنتم سلالة ونسلا منه، فجعل لكم:-
مستقَرًا: تستقرون فيه، وهو أرحام النساء. 
ومُستودعًا: تُحفَظُون فيه، وهو أصلاب الرجال.

قَدْ وضحنا لكم الآيَاتِ وبينا لكم الحجج وميزنا لكم الأدلة والبراهين وأحكمناها لقوم يفهمون مواقع الحجج، ومواضع العبر، ويفهمون كلام الله ويتدبرونه، فيزيدهم إيمانا ويقينا

99–وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِراً نُخْرِجُ مِنْهُ حَبّاً مُتَرَاكِباً وَمِنْ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ 

–والله سبحانه هو الذي أنزل من السحاب مطرًا فأخرج به  كل شيء من أنواع النبات، فأخرج من النبات زرعًا وشجرًا أخضر، ثم أخرح من الزرع حَبًّا يركب بعضه بعضًا ، كسنابل القمح والشعير والأرز، وأخرج من طلع النخل -وهو ما تنشأ فيه عذوق الرطب- عذوقًا قريبة التناول.

–وأخرج سبحانه بساتين من أعناب، وأخرج شجر الزيتون والرمان الذي يتشابه في ورقه ويختلف في ثمره شكلا وطعمًا، انظروا إلي الثمر إذا حان وقت طلوعه ، ووقت نضجه وإيناعه، فإن في ذلك لعبر وآيات يستدل بها على كمال قدرة الله الذي خلق هذه الأشياء وحكمته ورحمته لقوم يصدقون به تعالى ويعملون بشرعه.

100–وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ 

–يخبر الله تعالى: أنه مع إحسانه لعباده، بآياته البينات وحججه الواضحات أن المشركين به من قريش وغيرهم قد جعلوا لله شركاء من الجن والملائكة، الذين هم خلق من خلق الله ، وليس فيهم من خصائص الربوبية والألوهية شيء، 

–وجعل المشركون الجن شركاء لله في العبادة حين اعتقدوا أنها تنفع وتضر، وقد أوجدهم الله، ولم يخلقهم غيره، فهو أولى بأن يُعبَدَ، واختلقوا بنين كما فعلت اليهود بعُزَير، وفعلت النصارى بعيسى ابن مريم، وبنات كما فعل المشركون بالملائكة، تنزَّهَ وتقدَّسَ تعالي عما يصفه أهل الباطل، فهو الله  الموصوف بكل كمال، المنزه عن كل نقص، وآفة وعيب.

101–بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ 

والله تعالى هو الذي أوجد السموات والأرض وما فيهن على غير مثال سابق، فالله تعالي هو خالقهما ومتقن صنعتهما، على غير مثال سبق بأحسن خلق ونظام وبهاء ، كيف يكون  لله ولد ولم تكن له زوجة ؟! تعالى الله عما يقول المشركون علوًّا كبيرًا، وهو الذي خلق كل شيء من العدم، ولا يخفى عليه شيء من أمور الخلق.

♦♦♦

مِنْ فَوَائِدِ الآيَات

–الاستدلال ببرهان الخلق كتخليق النبات ونموه وتحول شكله وحجمه، دليل علي قدرة الله ووحدانيته.

–الاستدلال ببرهان الرزق: من نزول المطر وخروج الخيرات، دليل قوي علي قدرة الله تعالي ووحدانيته 

الاستدلال ببرهان الحركة من حركة الأفلاك وانتظام سيرها وانضباطها دليل علي قدرة الله ووحدانيته

-انفراد الله تعالي بالربوبية واستحقاق الألوهية دون غيره.

بيان ضلال وسخف عقول المشركين في عبادتهم للجن والملائكة.




حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-