شائع

تفسير سورة الأنعام صفحة 134 من الآيات ( 53 - 59) .. وفوائد الآيات

التفسير 

 53–وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ 

كذلك قد ابتلى الله تعالى بعض عباده ببعض بتباين حظوظهم من الأرزاق والأخلاق، فجعل بعضهم غنيًّا وبعضهم فقيرًا، وبعضهم قويًّا وبعضهم ضعيفًا، وأحوج بعضهم إلى بعض اختبارًا منه لهم بذلك; ليحاسبهم عليه ..

–وليقول الكافرون الأغنياء لفقراء المسلمين: أهؤلاء الفقراء قد مَنَّ الله عليهم بالهداية إلى الإسلام مِن بيننا .. فنحن أهل السبق منهم؟! أليس الله بأعلم بمن يشكرون نعمته فيوفقهم إلى الهداية لدينه وأعلم بالكافرين لها فَيَخْذُلَهُم فلا يؤمنون؟! بلى إن الله أعلم بأحوالهم فالكفر والإيمان ليس مشروطا بالغني أو الفقر.. 

54–وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ 

ولما نهى الله رسولَه  عن طرد المؤمنين القانتين، أمَره بمقابلتهم بالإكرام والتحية، فقال تعالي:-

–وإذا جاءك المؤمنون- أيها الرسول- فحَيِّهم ورحِّب بهم وأكرِمْهم بالسلام عليهم وبشرهم بما ينشط عزائمهم وهممهم، ومن رحمة الله الواسعة، ومن جوده وإحسانه، وحثهم على كل سبب وطريق يوصل إلي ذلك ..

ورهبهم من الإقامة على الذنوب والمعاصي، وأْمُرْهم وحثهم علي التوبة منها ، لينالوا مغفرة ربهم وجوده ، فمن ارتكب منهم معصية في حال جهل وسفهٍ ، ثم تاب من بعد ذلك ، وأصلح عمله -وداوم على العمل الصالح- فإن الله يغفر ذنبه، فهو غفور لعباده التائبين، رحيم بهم. 

55–وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ 

–وكذلك نوضح الآيات ونبينها، ونميز بين -طريق الهدى- من طريق الضلال، ليهتدي المهتدون بذلك ، ويتبين الحق الذي ينبغي سلوكه وانباعه ولإيضاح -طريق المجرمين- ومنهجهم الموصل إلى سخط الله وعذابه؛ فإن سبيل المجرمين إذا استبانت واتضحت، أمكن اجتنابها، والحذر منها -وبخلاف- ما إذا كانت مشتبهة وملتبسة، فإنها تؤدي إلي الضلال ..

56–قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قُلْ لا أَتَّبِعُ أَهْوَاءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً وَمَا أَنَا مِنْ الْمُهْتَدِينَ 

قل -أيها الرسول- لهؤلاء المشركين: إن الله تعالي نهاني عن عبادة الأوثان الذين تعبدونهم من دونه ، وقل لهم: لا أتبع أهواءكم في عبادة غير الله تعالي، فأنا إن اتبعت أهواءكم في ذلك أكون قد ضللت عن الصراط المستقيم -طريق الحق- ولن أهتدي إليه أبدا..وهذا شأن كل من اتبع -الهوي- من دون الله فيكون مصيره الضلال وعدم الهدي ، فاتباع الهوي - شرك خفي-.

57–قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ مَا عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنْ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ 

قل -أيها الرسول لهؤلاء المشركين-: إني على بصيرة واضحة من شريعة الله التي أوحاها إليَّ، وذلك -بإفراده وحده بالعبادة والألوهيةوهذه -شهادة من الرسول- لا تقبل الشك أو التردد، وهو أعدل الشهود على الإطلاق .. فصدق بها المؤمنون، وكذب بها المبطلون ..

 –ولقد كذَّبتم أيها المشركون بهذا ، وليس في قدرتي إنزال العذاب الذي تستعجلون به، إن الحكم في تأخر ذلك -لحكمة يعلمها الله وحده- يقول الحق ويحكم به ، وهو خير مَن يفصل بين الحق والباطل بقضائه وحكمه، ليهلك من هلك عن بينة، ويحيا من حي عن بينة ..

58–قُلْ لَوْ أَنَّ عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ 

قل -أيها الرسول- للذين يستعجلون بالعذاب، جهلا وعنادا وظلما، لو أنني أملك إنزال العذاب الذي تستعجلونه، لأنزلته بكم، وعند ذلك يُقْضَى الأمر الذي بيني وبينكم ، ولكن ذلك الأمر والحكم  -بيد الله تعالي- وهو أعلم بالظالمين المتجاوزين حدَّهم فأشركوا معه غيره، ولا يخفى عليه من أحوالهم شيئا .. فيمهلهم ولا يهملهم..

59–وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ 

–هذه الآية العظيمة: من أعظم الآيات تفصيلا لعلم الله تعالي المحيط، وأنه شامل للغيوب كلها: فعند الله تعالي مفاتح الغيب أي: خزائن الغيب، لا يعلمها إلا هو، ومنها: علم الساعة، ونزول الغيث و يعلم ما في الأرحام، والكسب في المستقبل، ومكان موت الإنسان، ويعلم كل ما في البر والبحر، وما تسقط من ورقة من نبتة إلا يعلمها، فكل حبة  في خفايا الأرض، وكل رطب ويابس .. مثبت في كتاب واضح لا لَبْس فيه، وهو اللوح المحفوظ ..

–وأن الخلق - من أولهم إلى آخرهم- لو اجتمعوا على أن يحيطوا ببعض صفاته تعالي، فلن يكن لهم قدرة ولا وسع في ذلك،  وهذه الآية- دلت على علم الله المحيط بجميع الأشياء .. وكتابه المحيط بجميع الحوادث ..

♦♦♦

مِنْ فَوَائِدِ الآيَات

–إن الله يبتلي عباده، فتتفاوت درجاتهم في الرزق وفي الكفر والإيمان اختبارا وفتنة لهم

الكفر والإيمان ليس منوطًا بسعة الرزق وضيقه، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر

–من أخلاق الداعية طلاقة الوجه وإلقاء التحية والتبسط والسرور باصحابه.

–اتباع الهوي هو -شزك خفي- يؤدي بصاحبه إلي الضلال وعدم الهدي

–على الداعية اجتناب الأهواء في عقيدته ومنهجه وسلوكه.

–إثبات تفرد الله عز وجل بعلم الغيب وحده لا شريك له، وسعة علمه في ذلك، 

–إن الله لا يفوته من مخلوقاته شيء إلا وهو مثبت مدوَّن عنده سبحانه بأدق تفاصيله.




 




حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-