شائع

تفسير سورة الأنعام صفحة 129 من الآيات ( 9 - 18) .. وفوائد الآيات

 التفسير 

9–وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكاً لَجَعَلْنَاهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ 

–ولو أنا جعلنا الرسول المرسل إليهم مَلَكًا إذ لم يقتنعوا بمحمد ﷺ-كما يزعمون- لجعلناه في صورة رجل .. ليتمكنوا من سماعه ومخاطبته والتلقي عنه .. إذ لا قوة للبشر على رؤية الملك على - هيئته الملائكية - التي خلقه الله عليها، ولو جعلناه في صورة رجل -لاشتبه عليهم أمره- ولم يقتنعوا به أيضا كما اشتبه عليهم - أمر محمد ﷺ - وكفروا بنبوته..

10–وَلَقَدْ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون

–ولمَّا كان طلبهم إنزال الملك على سبيل الاستهزاء بمحمد ﷺ يقول تعالي:-

مسليا لرسوله  ومصبرا له، ومتهددا أعداءه ومتوعدا لهم. أن الاستهزاء بالرسل ليس أمرا حادثا, بل قد وقع من قبل مع الكفار السابقين مع أنبيائهم, فأحاط الله بهم العذاب الذي كانوا به يستهزئون وينكرون وقوعه، فقد أهلكهم الله بذلك الكفر والتكذيب .. ووفى لهم من العذاب أكمل نصيب وجزاء -فاحذروا أيها المكذبون- أن تستمروا على تكذيبكم .. فيصيبكم ما أصابهم.

11–قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ ثُمَّ انظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ 

–فإن شككتم في ذلك ، أو ارتبتم ، قل لهم -أيها الرسول- لهؤلاء المكذبين المستهزئين: سيروا في الأرض ثم انظروا كيف أعقب الله المكذبين الهلاك بعدما كانوا فيه من القوة والمنعة ؟! فاحذروا مثل مصارعهم .. وخافوا أن يحلَّ بكم مثل الذي حل بهم.. - وهذا السير المأمور به - هو سير القلوب والأبدان - للاعتبار - أما مجرد النظر من غير اعتبار ، فإن ذلك لا يفيد شيئا.

12–قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ 

–يقول تعالى لنبيه ﷺ قل -أيها الرسول- لهؤلاء المشركين بالله، مقررا لهم وملزما بالتوحيد: من الذي له مُلكُ السموات والأرض وما فيهن؟! قل لهم: -هو لله- وأنتم تقرون بذلك ولا تنكرونه ، فالأحق بكم أن تعبدوا الله وحده لا شريك له.. وعليكم حين اعترفتم بانفراد الله تعالي بالملك والتدبير أن تعترفوا له بالتوحيد ؟!

كتب الله تعالي على نفسه الرحمة .. فلا بعجل على عباده بالعقوبة. ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا شك فيه للحساب والجزاء ، إن الذين أشركوا بالله أهلكوا أنفسهم .. ذلك لأنهم لا يؤمنون بالله ولا يقرون بنبوة بمحمد ﷺ .. أولئك الذين  خسروا أنفسهم في الدنيا والآخرة ، وذلك هو الخسران المبين..

13–وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ 

–أخبر تعالي أن لَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ: وهو يشمل المخلوقات كلها من آدميها،وجِنِّها، وملائكتها، وحيواناتها وجماداتها، فالكل خلق مدبرون، وعبيد مسخرون لربه العظيم، القاهر المالك، فهل يصح في عقل ونقل، أن يعبد مِن هؤلاء المماليك، الذي لا نفع عنده ولا ضر؟ ويترك الخالق ، المدبر المالك، الضار النافع؟! 

–بل لله تعالي وحده ملك كل شيء، مما استقر في الليل والنهار مما سكن أو تحرك، مما خفي أو ظهر .. فالجميع عبيده وخلقه، وتحت قهره وتصرفه وتدبيره -وهو السميع- لأقوال عباده -وهو العليم- بأفعال عباده وسرائرهم، وسوف يجازيهم عليها.

14–قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيّاً فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلا تَكُونَنَّ مِنْ الْمُشْرِكِينَ 

قل -أيها الرسول- لهؤلاء المشركين مع الله تعالى غيره: إني لا أتخذ من دون الله تعالى وليا، لأن الله فاطر السماوات والأرض أي: خالقهما ومدبرهما. وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ أي: فالله هو الرزاق لجميع الخلق، ولا يرزقه أحد؟ فكيف يليق أن أتخذ وليا غير الخالق الرزاق، الغني الحميد؟ 

قل إني أمرت أن أكون -أول من أسلم- لله تعالي بالتوحيد من هذه الأمة وانقاد لأمره ، وقال لي لا تكونن من المشركين -فقد نهاني- أن أكون من الذين يشركون معه غيره..لا في اعتقادهم ، ولا في مجالستهم ، ولا في الاجتماع بهم .. 

15–قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ 

قل -أيها الرسول- لهؤلاء المشركين مع الله إله غيره: إني أخاف إن عصيت ربي ، وأشركت معه غيره في عبادته ، أو تركت ما أمرني به من الإيمان وغيره من الطاعات ، أو خالفت أمره .. أن ينزل بي عذاب عظيم يوم القيامة.

16–مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ 

–إن المعصية في الشرك توجب الخلود في النار، وسخطَ الجبار.وذلك اليوم يُخاف عذابه؛ فمن لم ينج منه فهو الهالك الشقي، ومن يبعد الله عنه ذلك العذاب..فقد أراد له الخير، وفاز برحمة الله له ، وذلك هو الفوز العظيم. 

17–وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ 

وإن يصبك الله تعالى -أيها الإنسان- بشيء يضرك- كالفقر والمرض وغيره.. فلا كاشف له إلا هو -وإن يصبك بخير- كالغنى والصحة وغيره فلا راد لفضله ولا مانع لقضائه، فهو -جل وعلا- القادر على كل شيء، ولا يعجزه شيء.

18–وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ

وفي هذه الآية إثبات الفوقية لله -تعالى- على جميع خلقه, فوقية مطلقة تليق بجلاله سبحانه.

–والله سبحانه هو الغالب -القاهر- فوق عباده; خضعت له الرقاب وذَلَّتْ له الجبابرة، -الحكيم- الذي يضع الأشياء في مواضعها وَفْق حكمته وهو -الخبير- الذي لا يخفى عليه شيء. وهذا كله من أدلة التوحيد .. فمن اتصف بهذه الصفات يجب ألا يشرك به ..

♦♦♦

مِنْ فَوَائِدِ الآيَات

إرسال كل رسول من جنس من يرسل إليهم؛ ليكون أبلغ في السماع والوعي والقبول عنه.

 –تكرار سنن الأوّلين في العصيان قد يقابله تكرار سنن الله تعالى في العقاب.

فليحذر المكذبون أن يستمروا على تكذيبهم  فيصيبهم مثل ما أصاب الأمم السابقة من هلاك وخزي

–وجوب الخوف من المعصية ونتائجها.

 –أن ما يصيب البشر من بلاء ليس له صارف إلا الله، وأن ما يصيبهم من خير فلا مانع له إلا الله





حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-