شائع

تفسير سورة المائدة صفحة 120 من الآيات (71 - 76) .. وفوائد الآيات

التفسير
71–وَحَسِبُوا أَلاَّ تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وَصَمُّوا ثُمَّ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ 

–وظنَّ هؤلاء اليهود العُصاة أن الله لن يأخذهم بالعذاب جزاء عصيانهم ، وتكذيبهم ، ونقضهم للعهود والمواثيق، وقتلهم الأنبياء فترتب عليه ما لم يظنوه ، فعمُوا عن الهدى فلم يبصروه، وصَمُّوا عن سماع الحقِّ فلم ينتفعوا به، ومضوا في شهواتهم، حتي أنزل الله بهم بأسه وعقابه 

–فعاقبهم الله جزاء ما كانوا يفعلون، فأبدلهم من الرسل والأنبياء، إلي حكام ظالمين قال عز وجل فيهم ﴿لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً﴾ .. حكام جبابرة، دخلوا حروبا كثيرة كانوا فيها خاسرون، فقتلوا وأسروا وشردوا منهم أعددا كبيرة فكان أعدائهم هم حكامهم.

–فارتدعوا وتابوا وأنابوا إلي الله فتاب الله عليهم ، ولم يستمروا على توبتهم وإيمانهم حتي انقلب حالهم .. ورجع كثير منهم إلي ما كانوا عليه من الضلال فعَمِي كثيرٌ منهم, وصمُّوا ، والقليل من استمر على توبتهم وإيمانهم..والله تعالي بصير بأعمالهم ، لا يخفي عليه منه شيء، وسيجازيهم عليها .. 

72–لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ 

–يقسم الله تعالى بأن الذين قالوا: إن الله هو المسيح بن مريم – قد كفروا بمقالتهم هذه –وأخبر تعالى أن المسيح عيسي بن مريم نفسه قال لقومه من بني إسرائيل: اعبدوا الله وحده لا شريك له, فأنا وأنتم في العبودية سواء..

–وقال لهم : إنه من يعبد مع الله إله غيره فقد حرَّم الله عليه الجنة, وجعل النار مُستَقَرَّه, وليس له ناصرٌ يُنقذُه منها، وفي هذه الآية: قد كذبهم المسيح عليه السلام  في هذه الدعوة الباطلة،، فأثبت لنفسه العبودية التامة، ولربه الربوبية الشاملة لكل مخلوق.

73–لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ 

وهذا من أقوال النصارى وكفرهم أنهم زعموا أن الله ثالث ثلاثة: الله، وعيسى، ومريم، تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا قال تعالي: ﴿أَنَّى يكونُ له وَلَدٌ ولم تكُنْ له صاحِبةٌ وخَلَقَ كلَّ شَيءٍ وهُوَ بكُلِّ شَيءٍ عَلِيم﴾ !

لقد كفر من النصارى من قال: إنَّ الله مجموع ثلاثة أشياء : هي الأب ، والابن ، وروح القدس، فقال تعالى: رادا عليهم وعلى أشباههم ( وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلا إِلَهٌ وَاحِدٌفليس الله بمتعدد، إنما هو إله واحد لا شريك له –لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحدولئن لم ينته أصحاب هذه المقالة الشنيعة عن افترائهم وكذبهم ، ليُصِيبَنَّهم يوم القيامة عذاب مؤلم موجع بسبب كفرهم بالله.

74–أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ 

–ثم دعاهم الله إلى التوبة عما صدر منهم، وبين أنه يقبل التوبة عن عباده فقال تعالي: أفلا يرجع هؤلاء النصاري عن مقالتهم هذه تائبين إلى الله منها..ويطلبون منه المغفرة على ما قد ارتكبوه من الشرك به ؟! ويرجعون إلى ما يحبه سبحانه ويرضاه من الإقرار لله بالتوحيد ،وأن عيسى عبد الله ورسوله، والله متجاوز عن ذنوب التائبين من عباده، رحيمٌ بهم..

75–مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمْ الآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ 

–ثم ذكر تعالي حقيقة المسيح وأُمِّه، الذي هو الحق، فقال: إنما عيسي: عبد الله ورسوله .من عباد الله المرسلين كبقية الرسل، الذين ليس لهم من الأمر  ولا من التشريع .. إلا ما أرسله  الله إليهم، وأنه من جنس البشر..

–وَأُمَّهُ صِدِّيقَةٌ: والصديقية تعني العلم النافع المثمر لليقين والعمل الصالح، والصديقين هم أعلى الخلق رتبة بعد الأنبياء..وهذا دليل على أن مريم لم تكن نبية، بل أعلى أحوالها الصديقية، فإذا كان عيسى عليه السلام من جنس الأنبياء والرسل من قبله، وأمه صديقة، فكيف اتخذهما النصارى إلهين مع الله ؟!

–وقوله: ( كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ ) دليل ظاهر على أن: عيسي عليه السلام وأمه مريم: هما عبدان فقيران، محتاجان كما يحتاج بنو آدم إلى الطعام والشراب، فلو كانا إلهين لاستغنيا عن الطعام والشراب، ولم يحتاجا إلى شيء، ولا يكون إلهًا مَن يحتاج الى الطعام ليعيش .. فإن الإله هو الغني الحميد.

–فتأمَّل -أيها الرسول- حال هؤلاء الكفار ، لقد وضحنا العلاماتِ الدالةَ على وحدانيتنا، وبُطلان ما يَدَّعونه في أنبياء الله، ومع ذلك يَضِلُّون عن الحق الذي نَهديهم إليه فانظر كيف ينصرفون عن الحق بعد هذا البيان وهذه الآيات الواضحة الدالة على وحدانية الله ؟

67–قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ 

–قل -أيها الرسول- لهؤلاء الكفرة مُحتجًّا عليهم في عبادتهم لغير الله: أتعبدون ما لا يجلب لكم نفعًا، ولا يدفع عنكم ضرًّا..وهو عاجز ؟! وتدعون من انفرد بالضر والنفع والعطاء والمنع ، والله هو السميع لأقوالكم فلا يفوته منها شيء هو العليم بأفعالكم .. سبحانه لا يخفى عليه منها شيء وسيجازيكم عليها.

♦♦♦

مِنْ فَوَائِدِ الآيَات

–بيان كفر النصارى في زعمهم ألوهية المسيح عليه السلام وبيان بطلانها، والدعوةُ للتوبة 

–من أدلة بشرية المسيح وأمه: أكلهما للطعام، وفعل ما يترتب عليه.

–عدم القدرة على كف الضر وجلب النفع تدل علي عدم استحقاق بعض المعبودين للالوهية

–النهي عن الغلو وتجاوز الحد في معاملة الصالحين كي لا تتعدي حدود العبودية





حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-