شائع

تفسير سورة المائدة صفحة 118 من الآيات (58 - 64) .. وفوائد الآيات

 

التفسير 

58–وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُواً وَلَعِباً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ 

–وإذا أذَّن المؤذن لكم -أيها المؤمنون- ليدعوكم للصلاة اتخذها اليهود والنصارى والمشركون هزوا ولعبا بأن يستهزئوا بها ويتضاحكوا ، ذلك الاتخاذ بسبب جهلهم بربهم، وأنهم لا يعقلون حقيقة العبادة .. فلو كان لهم عقول لخضعوا لها ولعلموا أنها -أعظم قربة إلي الله- عز وجل ولكنهم قوم لا يعقلون ؟! 

–وتثبت هذه الآية: مشروعية الأذان في القرآن وأنه قد أقر تشريع الأذان .. وفي ذلك رد على الذين يقولون : إن الأذان قد شرع بالسنة.

59–قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ 
 
–قل -أيها الرسول- للمستهزئين بكم من أهل الكتاب: هل تعيبون علينا إلا أننا آمنا بالله وبما أنزل إلينا، وبما أنزل على من قبلنا، وإيمانَنَا بأن أكثركم فاسقون: خارجون عن طاعة الله بتركهم للإيمان وامتثال الأوامر؟! 

–فما تعيبونه علينا هو مَحْمَدَةٌ لنا، وليس مَذَمَّةً أو عيبا إنما هو امتثال لأوامر الله تعالي وسوف نجازي عليه يوم القيامة، وأنتم سوف تحاسبون وتعاقبون عليه .. وذلك لأن أكثركم فاسقون. 

60–قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمْ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُوْلَئِكَ شَرٌّ مَكَاناً وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ 

–قل -أيها النبي- للمؤمنين: هل أخبركم بمن هم أولى بالعيب  وسوف يُجازَى يوم القيامة جزاءً أشدَّ مِن جزاء هؤلاء الفاسقين من أهل الكتاب ؟! إنهم أسلافهم الذين طردهم الله من رحمته وغَضِب عليهم.. وذلك:-

فمنهم من: مسخ خلقهم، فجعل منهم القردة والخنازير ..  وذلك بسبب عصيانهم وافترائهم وتكبرهم 

–ومنهم من كان: من عباد الطاغوت: وهو كل ما يعبد من دون الله وهو راضٍ..

لقد ساء مكان هؤلاء في الآخرة, وضلَّ سَعْيُهم في الدنيا عن الطريق الصحيح المستقيم..

61–وَإِذَا جَاءُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا يَكْتُمُونَ 

وإذا جاء إليكم -أيها المؤمنون- منافقو اليهود, قالوا: آمنَّا بالله ورسولهﷺ نفاقا ومكرا، وهم مقيمون على كفرهم, قد دخلوا عليكم بكفرهم الذي في قلوبهم, ثم خرجوا وهم مصرُّون أيضا علي الكفر فمدخلهم ومخرجهم بالكفر وهم يزعمون أنهم مؤمنون .. فهل أشر من هؤلاء وأقبح حالا منهم ؟! والله أعلم بما يُضْمرونه من الكفر إن أظهروا الإيمان لكم، وسيجازيهم على ذلك..

62–وَتَرَى كَثِيراً مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمْ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ

–وترى -أيها الرسول- كثيرًا من اليهود ،يبادرون إلى المعاصي، ويقعون سريعاً في:-
الإثم: قول الكذب والزور
والعدوان: الظلم، والاعتداء على أحكام الله
وأكلهم السحت: أكْل أموال الناس بالباطل، وهو المال الحرام كالرشوة والربا والسرقة

–لبئس ما كانوا يعملون عملهم هذا، حتى أنهم  يسارعون فيه، وهذا يدل على خبثهم وشرهم، وأن أنفسهم مجبولة على حب الشر والمعاصي والظلم. لبئس ما كانوا يعملون عملهم هذا .. وساء صنيعهم.

63–لَوْلا يَنْهَاهُمْ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمْ الإِثْمَ وَأَكْلِهِمْ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ 

–هلا ينهاهم أئمتهم وعلماؤهم الموكلون لنفع الناس، الذين من الله عليهم بالعلم والحكمة.. عما يسارعون إليه من فعل المعاصي: من قول الكذب ، وشهادة الزور ، وأكل أموال الناس بالباطل .. ليزول ما عندهم من الجهل ، وتقوم حجة الله عليهم.

–فإن أئمتهم وعلماؤهم عليهم : أمر الناس بالمعروف ونهيهم عن المنكر ، وأن يبينون لهم الطريق الصحيح .. ويرغبونهم في فعل الخيرات ويرهبونهم من الشر .. لقد ساء صنيع أئمتهم وعلمائهم الذين لا ينهونهم عن المنكر.

64–وَقَالَتْ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَاراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ

–يخبر تعالى عن مقالة اليهود الشنيعة ، ويُطلع الله نَبِيَّهﷺ على شيء من مآثم اليهود -وكان مما يُسرُّونه فيما بينهم- أنهم قالوا :-

–( وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ ) أي: يد الله محبوسة عن فعل الخيرات, بَخِلَ علينا بالرزق والتوسعة, وذلك حين لحقهم جَدْب وقحط. فرد عليهم عز وجل وقال: ( غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا ) أَي: حبست أيديهم هم عن فِعْلِ الخيرات, وطردهم الله  من رحمته بسبب قولهم وجازاهم الله بأن كان هذا الوصف منطبقا عليهم فكانوا أبخل الناس ، وأقلهم إحسانا ، وأسوأهم ظنا بالله ، وأبعدهم الله عن رحمته التي وسعت كل شيء

–وليس الأمر كما يفترونه على ربهم عز وجل ، بل يداه مبسوطتان لا حاجر عليه, ولا مانع يمنعه من الإنفاق, فإنه الجواد الكريم ينفق بما تقتضى الحكمة وما فيه مصلحة العباد. وفي الآية إثبات لصفة اليدين لله سبحانه وتعالى كما يليق به من غير تشبيه ولا تكييف. 

–ولا يزيد اليهود ما أنزل إليك -أيها الرسول- إلا تجاوزًا للحد وجحودًا؛ وسوف يزدادون طغيانًا وكفرًا بسبب حقدهم وحسدهم; لأن الله قد اصطفاك بالرسالة، ويخبر تعالى أن الله ألقي بين طوائف اليهود العداوة والبغضاء إلي يوم القيامة

–وسيظلون إلى يوم القيامة يعادي بعضهم بعضًا, وينفر بعضهم من بعض, كلما جمعوا للحرب، وأعدوا لها عدة، أو تآمروا على الكيد للمسلمين بإثارة الفتن وإشعال نار الحرب ردَّ الله كيدهم, وفرَّق شملهم وشَتَّتَ جمعهم، وأذهب قوتهم، ولا يزالون يجتهدون في ارتكاب ما فيه فساد في الأرض من السعي لإبطال الإسلام والكيد له والله لا يحب المفسدين 

♦♦♦

مِنْ فَوَائِدِ الآيَات

–ذمُّ العالم على سكوته عن معاصي قومه وعدم بيانه لمنكراتهم وتحذيرهم منها.

–سوء أدب اليهود مع الله تعالى، ذلك لأنهم وصفوه سبحانه بأنه مغلول اليد للخير.

–إثبات صفة اليدين، على وجه يليق بذاته وجلاله وعظيم سلطانه.

–الإشارة إلي الشقاق والاختلاف والعداوة بين طوائف اليهود نتيجة لكفرهم وميلهم عن الحق.
   




حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-