شائع

تفسير سورة النساء صفحة 102 من الآيات (148 - 154) .. وفوائد الآيات

التفسير 

148–لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنْ الْقَوْلِ إِلاَّ مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعاً عَلِيماً 

- لا يحب الله تعالي الجهر بقول السوء، كالقذف والسب والشتم..بل يبغضه ويتوعّد عليه، لكن من ظُلم جاز له أن يجهر بقول السوء؛ للشكاية من ظالمه والدعاء عليه ومجازاته بمثل قوله، لكنَ عفو المظلوم أولى من جهره بالسوء، وكان الله سميعًا لأقوالكم، عليمًا بنياتكم، فاحذروا قول السوء أو قصده.

149–إِنْ تُبْدُوا خَيْراً أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوّاً قَدِيراً 

–حث الله تعالي علي عمل الخير، وهذا يشمل كل خير قوليّ وفعليّ، ظاهر وباطن .. ومهَّد له تعالي بأنَّ المؤمن: إمَّا أن يُظهر الخير, وإمَّا أن يُخفيه.. فإن الله سيجازيه عليه ولو كان شيئا قليلا..

–وكذلك مع الإساءة: إما أن يظهرها في حال الانتصاف من المسيء, وإما أن يعفو ويصفح, والعفوُ أفضلُفإن الجزاء من جنس العمل. فمن عفا لله عفا الله عنه، ومن أحسن أحسن الله إليه، فليكن العفو من أخلاقكم، لعل الله يعفو عنكم. ولهذا قال تعالي: "فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًافإن من صفاته تعالى العفو عن عباده مع قدرته عليهم. 

150–إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً 

–إن الذين يكفرون بالله تعالي ورسله من اليهود والنصارى ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله بأن يؤمنوا بالله ويكذبوا رسله الذين أرسلهم إلى خلقه، أو يعترفوا بصدق بعض الرسل دون البعض الآخر، أويزعموا أنَّ بعض الرسل افتروا على ربِّهم، هم يريدون بذلك أن يتخذوا طريقًا إلى الضلالة التي أحدثوها والبدعة التي ابتدعوها

–فمَنْ آمن بالله حقيقة آمن بجميع رسله .. لأن هذا من تمام الإيمان، ومن كفر برسول فقد كفر بجميع الرسل، بل قد كفر بالرسول الذي يزعم أنه مؤمن به، وذلك لئلا يتوهم أحد أن مرتبتهم متوسطة بين الإيمان والكفر..وأن هذا سبيل ينجيه من عذاب الله -إنْ هذا إلا مجرد أماني- بل هؤلاء يريدون أن يفرقوا بين الله ورسله.

151–أُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ حَقّاً وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُهِيناً 

–أولئك الذين يسلكون هذا المسلك من التفريق بين الله ورسله، هم أهل الكفر المحقَّق الذي لا شك فيه؛ ذلك أنَّ من كفر بالرسل أو ببعضهم فقد كفر بالله وبرسله ، وأعددنا للكافرين عذابًا مذلًّا لهم يوم القيامة ، عقابًا لهم على كفرهم وتكبرهم عن الإيمان بالله وبرسله ..

152–وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُوْلَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً 

–ولما ذكر الله جزاء الكافرين ذكر بعده جزاء المؤمنين فقال تعالي:-

والذين آمنوا بالله تعالي وحده، ولم يشركوا به أحدًا ، وأقرُّوا بنبوَّة رسله أجمعين ، ولم يفرقوا بين أحد من رسله ، بل آمنوا بهم جميعًا، وعملوا بشريعة الله، أولئك سوف يعطيهم الله تعالي جزاؤهم وثوابهم على إيمانهم به وبرسله ، وكان الله غفورًا لمن تاب من عباده، رحيمًا بهم.

153–يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَاباً مِنْ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمْ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمْ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَنْ ذَلِكَ وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَاناً مُبِيناً 

–يسألك -أيها الرسول- أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابًا من السماء جملة واحدة كما أنرلت التوراة والإنجيل من قبل، يكون علامة لصدقك ..وهذا غاية الظلم منهم والجهل، بل نزول هذا القرآن مفرقا بحسب الأحوال يدل على عظمته واعتناء الله بمن أنزل عليه، كما قال تعالى: "وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلا * وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا ".

–فلا تعجب -أيها الرسول- من سؤالهم، فقد سأل اليهود موسى عليه السلام ما هو أعظم: فقد سألوه أن يريهم الله رؤية علانيةً، فَصُعِقوا وماتوا وهم كافرين، بسبب ظلمهم أنفسهم حين سألوا أمرًا ليس من حقِّهم ..

–ثم أحياهم الله بعد الصعق ليستوفوا أجلهم ويتوب عليهم، ثم عبدوا العجل من بعد ذلك "واتخذوه إلها" من بعد ما رأوا الآيات الواضحة على وحدانية الله وقدرته، ثم عَفونا عن عبادتهم العجل بسبب توبتهم، وأعطينا موسى بعد ذلك حجة عظيمة تؤيِّد صِدق نُبُوَّتِه علي قومه..

154–وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمْ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمْ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّداً وَقُلْنَا لَهُمْ لا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً 

–ولما ذكر اعتراضهم الفاسد، أخبر تعالي عن بعض سلوكهم تجاه ما أمرهم به فقال تعالي:-

ورفعنا فوق رؤوسهم جبل الطور تخويفًا حين امتنعوا عن الالتزام بالعهد المؤكد الذي أعطوه بالعمل بأحكام التوراة وهددوا أنهم إن لم يؤمنوا ويعملوا به أسقط عليهم الجبل، فقبلوا ذلك اضطرارا وليس ايمانا..

–وقلنا لهم: أدخلوا باب "بيت المقدس" سُجَّدًا بانحناء الرؤوس مستغفرين، فخالفوا القول والفعل، فدخلوا بزحفون على أدبارهم..

–ثم أمرناهم وقلنا لهم: لا تعتدوا بالإقدام على الصيد يوم السبت، فما كان منهم إلا أن اعتدوا فاصطادوا، وأخذنا عليهم عهدًا موثقًا شديدًا بذلك، فنقضوا العهد المأخوذ عليهم.

♦♦♦

مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ

لا يحب الله الجهر بالسوء من القول، وجميع الأقوال السيئة كالشتم والسب وغيره

–يحب الله القول الحسن ورغب فيه وجعله طريقا للحق وصراط الحميد

–يجوز للمظلوم أن يتشكي لمن يُرْجى منه أن يأخذ له حقه، وإن قال ما لا يسر الظالم.

–حض المظلوم على العفو -حتى وإن قدر- كما يعفو الله تعالي مع قدرته على عقاب عباده.

–لا يجوز التفريق بين الرسل بالإيمان ببعضهم دون بعض، بل يجب الإيمان بهم جميعًا.





حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-