شائع

العفو والتسامح .. في القرآن والسنة

فليعفوا وليصفحوا 

–لا يشير العفو والتسامح عن ضعف أو هوان .. بل إلي حب للتعايش مع الآخرين بعيدا عن التشاحن والكره والحسد وحب الانتقام ..

 كيف يتحقق العفو والتسامح؟ وما نتيجته؟

قال تعالي : ﴿وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ* الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾[آل عمران: 133-134]

–يتحقّقان: بطولِ صبر وكظمٍ للغيظ والعفو عن الناس، والله يحب المحسنين، واحتساب الأجر عند  الله، ولابد من تحكيم العقل أولا: ومن ثم العفو والصفح والتسامح تماشياً مع الآية الكريمة أعلاه . 

–ونتيجته: إن تغليب العفو والتسامح على العقاب ينجّي الأفراد من التشاحن والخلافات .. التي قد تنشأ بينهم وتؤدي بهم إلي عواقب وخيمة قد يندم الطرفين عليها. 

 ماذا يحدث عند مقابلة الإساءة بالإحسان ؟

1–قال الله تعالى:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ (التغابن: 14)

–إن عداوة الزوجة والأولاد: لا ينبغي أن تقابل إلا بالعفو والصفح والغفران، وأن ذلك يخفف أو يذهب أو يجنب الزوج والوالد والأولاد نتائج هذا العداء .. وأنه خير من المشاحنة والخصام الذي يورث الحسرة والندم .

2–قال تعالي﴿ وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾[فصلت:34- 35]

–ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ : عند مقابلة الإساءة بالإحسان وليست بالعفو فقط ، تحصل فائدة عظيمة وهي: فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ قريبٌ شفيقٌ رحيم ، وَمَا يوفَّق لهذه الخصلةِ الحميدة إِلا الَّذِينَ -صبروا- نفوسهم على ما تكره ، وأجبروها على ما يحبُّه الله، فإنَّ النفوسَ مجبولةٌ على مقابلةِ المسيء بإساءته ، فكيف بالإحسان إليه ؟  

–أيها المؤمن؛ ( ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ )، أي: فإذا أساء إليك مسيءٌ من الخلق، خصوصًا من له حقٌّ كبيرٌ عليك؛ كالأقارب، والأصحاب، ونحوهم، -إذا أساؤوا إليك- إساءةً بالقول أو بالفعل، فقابله بالإحسان إليه 

فإن قطعك فَصلْهُ، وإن ظلمك فاعف عنه، وإن تكلم فيك غائبًا أو حاضرًا، فلا تقابله، بل اعف عنه، وعامله بالقول اللين، وإن هجرك وترك خطابك فَطيِّبْ له الكلام وابذل له السلام كي تنال هذه الفائدة العظيمة.

 أمثلة للأنبياء عن العفو والتسامح

 –فقد عفا الرسول  عن أبي سفيان الذي فعل ما فعل، وأدمى كبد رسول الله في أُحُد، وحزَّب ضده الأحزاب يوم الخندق وناصر القبائل ضده، وعلى الرغم من كل ذلك يعفو عنه صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة، بل يمنحه العفو وزيادة إذ يقول: «من دخل دار أبي سفيان فهو آمِن».

ويوم فتح مكة ودخل النبيمنتصراً فيظهر عفوه بمشركي قريش الذين آذوه وأخرجوه من بلده وقاتلوه، حيث قال صلى الله عليه وسلم: «اذهبوا فأنتم الطُّلَقاء». ففد كانوا في حكم الأسرى والرقيق بعد فتحها، فعفا عنهم وأطلق سراحهم فسماهم الطلقاء ..

–وحينما ذهب الرسول  إلى الطائف ليدعو أهلها إلى الإسلام، ولكنهم رفضوا دعوته، وسلَّطوا عليه صبيانهم وعبيدهم وسفهاءهم يؤذونه، ويقذفونه بالحجارة حتى سال الدم من قدمه الشريف، فنزل جبريل عليه السلام ومعه ملك الجبال واستأذن النبي في هدم الجبال على هؤلاء المشركين لكنه عفا عنهم، وقال «لا بل أرجو أن يُخْرِج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده، ولا يشرك به شيئاً». 

 – ونبيُّ الله يوسفُ الصديقُ عليه السلاميعفو عن إخوته الذين حاولوا قتله، بل رموه في البئر، وفرقوا بينه وبين أبيه صغيراً وحيداً فريداً، فعفا عنهم عند القدرة على الانتقام منهم، قَال تَعَالَى عن يوسف عليه السلام أنه قال﴿ قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ ۖ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ ۖ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾[يوسف: 92]  

ما هي أنواع العفو؟ 

يوجد نوعين من العفو، وهما عفو الله عن عباده ، والعفو بين الناس وبعضهم البعض .

1–عفو الله عز وجل عن العباد

ويكون عفو الله عن العباد بترك محاسبتهم على ذنوبهم وعدم مؤاخذتهم عليها، فالله سبحانه وتعالى يمحو سيئات عباده الذين تابوا إليه ويتجاوز عنها ، قال تعالي في كتابه العزيز :﴿وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ[الشورى: 25]  

2– العفو بين الناس

فإن قبول أعذار الناس لبعضهم البعض ، والتجاوز عن أخطائهم من أكبر أسباب العيش والتعايش بسلام ، كما أنه سبب لدخول الجنة قال رسول الله ﷺ « فمن عفي وأصلح فأجره على الله ».

آثار العفو والتسامح على الفرد والمجتمع  

1-  فالعفو والتسامح يزيد العبد رفعة وعزة ، فهما لا يدلان على ضعف أو عجز، كما قال النبي ﷺ « مَا زَادَ اللهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ، إِلَّا عِزًّا »

2- الصحة النفسية: العفو والتسامح يعملان على ابعاد الفرد عن المشاعر السلبية كالحقد والغضب والكره..وهذه طرق الشيطان، بينما العفو طريقه التقوي « وأن تعفو أقرب للتقوي» .

3- فالعفو والتسامح سبب لمغفرة الذنوب ومحبة الله لنا قال تعالي:﴿وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾.[النور:22] 

4-محبة الناس و القضاء على العداوة: قال تعالى: ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ﴾ .

 5- اليسر واللين في المعاملة: البيع والشراء بسماحة ولطف وبدون خصام ولا جدال، قال النبي  «رحم الله رجلا سمحا إذا باع، وإذا اشترى، وإذا اقتضى». 

 6- الأمن والاستقرار والتعايش: فالعفو والتسامح يقللان من مختلف الجرائم قال تعالي:﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ .[الأعراف:199] 

 7- دفع الفساد والشر عن الأمة: العفو والتسامح يساعدان على طهارة المجتمع من الأمراض كالغل والحقد والحسد .. فهم سبب لإنهيار الأمة.

8 - تالف القلوب وتماسك الصفوف وتحقيق التواصل: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ ، مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى». 

وفي الختام 

 إن لم يستطع الإنسان أن يعفو ويصفح فليتذكر  قوله تعالي : أَلا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيم) .

فتكون الإجابة  

بلي نحب أن يغفر الله لنا وننفذ (فليعفوا وليصفحوا) 




   

 




حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-